للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في الإيضاح (١): فيما إذا كان الغش غالباً أن الفضة إذا كانت يتخلص من النحاس في الفلوس، ويبقى النحاس على حاله، واشتراها رجل بأقل ما فيها من الفضة لم يجز حتى يشتريها بأكثر مما فيها، فيكون الفضة بالفضة، والزيادة بإزاء النحاس؛ لأنه إذا أمكن تمييز أحدهما من الآخر، ويبقى كل واحد منهما بحاله لم يصر أحدهما مستهلكًا، فصار جامعًا بين شيئين في العقد، وإن كان لا يخلص ويحترق الفضة [ويبقى النحاس] فهو نحاس كله؛ لأن الفضة مستهلكة فلا يعتبر بها، وإن كانت الفضة السوداء يخلص منها النحاس لا بد أن تكون الفضة الصافية أكثر، وإن كان النحاس يحترق فهي فضة تغيير المماثلة، وبيع البهرجة والزيوف بالخيار لا يجوز إلا مثلاً بمثل؛ لأن الغالب عليها الفضة، والستوق (٢) عندهم ما كان الصفراء والنحاس غالباً، فإذا باع الستوقة بالخيار لم يجز إلا على طريق الاعتبار، وهو أن يكون الجياد أكثر، فيكون الفضة بمثلها، والزيادة بإزاء النحاس، وإنما اعتبرنا الفضة التي في الستوق؛ لأنها تخلص ويتميز كل واحد عن الآخر.

وقال: فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف، يعني إن كانت الفضة الخالصة مثل تلك الفضة التي في الدراهم أو أقل أو لا يدري لا يصح، وإن كانت أكثر يصح، وإن بيعت بجنسها، أي الدراهم المغشوشة التي غشها غالب بجنسها من الدراهم المغشوشة متفاضلاً جاز.

وقال: ولكنه صرف جواب لإشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يشترط القبض في هذه الصورة؛ لأنه لما صرف الجنس إلى خلاف الجنس، أي الفضة إلى الصرف، لم يبق صرفاً، ولما لم يبق صرفاً لا يشترط التقابض في المجلس.

قلنا: إنما صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس؛ لحاجتنا إلى جواز العقد، فإذا جاز العقد بذلك الطريق لا حاجة لنا إلى البقاء، فلم يكن كل واحد منهما مصروفاً إلى خلاف الجنس في حق القبض، بل صرف إلى جنسه؛ ليشترط التقابض في المجلس؛ لعدم الحاجة إلى بقاء العقد على الصحة؛ لأن الحاجة إنما تمس في نفي المفسد المقارن؛ ليكون تصرفهما على الصحة لا في نفي المفسد الطارئ، ومشايخنا -رحمهم الله- لم يفتوا بجواز [ذلك الجواز] التفاضل في هذه الأموال لم يعتوا؛ لأنه لو جاز حل الربا في أعز الأموال لقاسوا عليه جواز الربا في الذهب والفضة بالتدريج.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٣٣١).
(٢) السَّتُّوقُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا مُشَدَّدَةَ التَّاءِ فَهِيَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَفَارِسِيَّتُهُ سَهِّ تَاهَ وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهَا إذْ جَوْفُهُ نُحَاسٌ وَوَجْهَاهُ جُعِلَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَخْلُصُ. طلبة الطلبة (١/ ١٠٩).