للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحصل من هذا كله أن هنا مسائل ثلاثاً:

أحدها: ما لو قال بعد إعطاء الدرهم الكبير: أعطني بنصفه فلوساً وبنصفه نصفاً إلا حبة، حيث أعاد قوله: وبنصفه، ولكن لم يعد نصف الإعطاء، والحكم كما ذكر جائز عندهما في حصة الفلوس، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يبطل في الكل.

والثانية: هي في هذه الصورة أيضاً، لكن أعاد لفظ الإعطاء بأن قال: أعطني بنصفه كذا فلساً، وأعطني بنصفه الباقي درهمًا صغيراً، فالحكم أن العقد في حصة الفلوس جائز بالإجماع، وفساد أحد العقدين لا يوجب فساد الآخر، بمنزلة ما لو قال لغيره: بعني بنصف هذه الألف عبدًا وبنصفها كذا رطلاً من خمر، هناك لا يبطل العقد في العبد، وإن بطل في الخمر؛ لأن الصفقة متفرقة، وحكى عن الفقيه أبي جعفر الهندواني والفقيه المظفر بن اليمان (١) والشيخ الإمام شيخ الإسلام (٢) -رحمهم الله-: ههنا أيضاً لا يصح العقد، وإن كرر لفظ الإعطاء لما أن الصفقة متحدة؛ لأنها لو تفرقت إنما تفرقت بتكرر قوله: أعطني، ولا وجه إليه؛ لأن قوله: أعطني مساومة، وبتكرار المساومة لا يتكرر البيع.

ألا ترى أن بذكر المساومة لا ينعقد البيع، حتى أن من قال لغيره: بعني، فقال: بعت، ولا ينعقد البيع ما لم يقل الآخر: اشتريت، وإذا كان لا ينعقد البيع بذكر المساومة، فبتكراره كيف يتكرر العقد فكانت الصفقة واحدة.

والثالثة: ما لو قال: أعطني به كذا وكذا فلساً ودرهمًا صغيراً وزنه نصف درهم إلا حبة كان ذلك جائز كله.

بخلاف المسألة الأولى؛ لأن في المسألة [الأولى] صرح بالفساد، حيث جعل بازل الدرهم الصغير نصف درهم من الدرهم الكبير إلا حبة، وهو ربا، والعاقدان متى صرحا بفساد العقد لا يحمل على وجه الصحة.

وأما في هذه المسألة لم يصرح لفساد العقد، وأنه لم يبين للدرهم الصغير حصة من الدرهم الكبير فكان وجه الجواز كما ذكرنا من المبسوط، وإلى هذا أشار في الذخيرة (٣): والفساد قوي؛ لأن هذا الفساد مجمع عليه، وقد مر نظيره، وهو ما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة، فلو لم يتبين ثمن كل واحد منهما يشيع الفساد في الكل بالإجماع، وإن بيّن يشيع الفساد على قول أبي حنيفة -رحمه الله-.


(١) مظفر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي الحنفي والمنشأ الْمَعْرُوف بِابْن الساعاتى من كبار فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة لكَون ابيه عمل السَّاعَات الْمَشْهُورَة على بَاب المستنصرية توفى سنة ٦٩٤ ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة لَهُ من التصانيف بديع النظام الْجَامِع بَين كتابي البزدودى والاحكام. الدّرّ المنضود فِي الرَّد على ابْن كمونة فيلسوف الْيَهُود. شرح مجمع الْبَحْرين فِي مجلدين. مجمع الْبَحْرين وملتقى النهرين فِي الْفُرُوع. نِهَايَة الْوُصُول إِلَى علم الاصول وَغير ذَلِك. هدية العارفين (١/ ١٠١).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٧٧).
(٣) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ١٧٦).