للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا النصُّ ورد في المداينات لما مرَّ، فكيف يكون حجَّةً في الحدود والقصاص.

قلنا: فيه شيئان: اشتراط عدد الاثنين، والذُّكورة، فلما اختصَّ باب الزِّنا بالأربع من الرجال؛ لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (١)، لا يلحق به غيره في حق العدد بالقياس لوجوٍه، وهي أنَّ القياس لا يجري في المقادير والأعداد.

والثاني: أنَّ القياس لا يجري في الحدود.

والثالث: عدم مساواة غيره به؛ لما ذكرنا أن مجرد النسبة إلى الزِّنا موجب للعقوبة المقدرة، بخلاف سائر الكبائر، فلا يجري القياس.

فلمَّا انحطَّ درجة غير الزِّنا من الحدود، ولم يكن بُدٌ من إظهار انحطاطه في عدد الشَّهادة، وليس ذلك الاثنين لعدم ورود الشَّرع في الثلاث؛ فتعين عدد الاثنين لذلك.

وأمَّا اشتراطُ الذكورة (٢) فلحديث الزهري (٣) المذكور في الكتاب (٤).

ولعموم قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (٥) لما أنَّ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

حتَّى إنَّ هذه الآية جُعِلَت حجَّةً في غير المدايَنات من الحقوق، سواءٌ كان مالاً أو غير مال، فجعلت حجَّةً أيضاً في الحدود.


(١) سورة النساء: آية ١٥.
(٢) قال في الهداية (٣/ ١١٦): «ولا تقبل فيها شهادة النساء … ».
(٣) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري من قريش، أبو بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام، انتهت إليه رئاسة العلم والفتيا في وقته، فكان نظير ابن المسيب قبله، سكن الشام، هو أول من دوَّن الأحاديث النبوية، ودوَّن معها فقه الصحابة، رأى عشرة من الصحابة، وروى عنه جماعة من الأئمة: منهم مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة، مات رحمه الله سنة ١٢٤ هـ.
ترجمته في: الطبقات الكبرى (٢/ ٢٩٦)، وفيات الأعيان (٤/ ١٧٧)، تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٩٠)، سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٢٦)، الوافي بالوفيات (٥/ ١٧).
(٤) قال في الهداية (٣/ ١١٦): « … لحديث الزهري -رضي الله عنه-: مضت السنة من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص».
أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٣)، رقم (١٥/ ٤٢٧)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٣٢٩)، رقم (٢٠٧٠٨)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٠٢)، رقم (٢١٣٨٨)، وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (٨/ ٢٩٥)، رقم (٢٦٨٢).
(٥) سورة البقرة: آية ٢٨٢.