للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنَّ الحدود من الحقوق التي تثبت مرَّةً بالإقرار، ومرَّةً بالشُّهود بالإجماع، ولا حقوق تثبت شرعاً بالشُّهود التي فوق الاثنين سوى حد الزِّنا؛ فتعيَّنَ ثبوتُ سائر الحقوق بالاثنين من الشهود من سائر الحقوق بقية الحدود، فتعينت شهادة رجلين.

وذكر في المبسوط: «ثم القياس أن يُكتَفَي بشهادة الواحد؛ لأنَّ رُجحان جانب الصِّدق يظهرُ في خبر الواحد بصفة العدالة؛ ولهذا لو كان خبر الواحد العدلِ موجباً للعلم - وكما لا يثبت علم اليقين بخبر الواحد لا يثبت بخبر العدد، ما لم يبلغ حد التواتر- فلا معنى لاشتراط العدد؛ ولكن تركنا ذلك بالنُّصوص التي فيها بيانُ العدد في الشَّهادات المطلَّقة، كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} (١).

فإن قيل: في هذه النصوص/ جواز بيان العمل بشهادة العدد، وليس فيها بيان نفي ذلك بدون العدد، قلنا: في هذه النصوص جوازُ بيان العمل بشهادة العدد [قلنا: لا] (٢) كذلك فالمقادير في الشَّرع إمَّا لمنع الزيادة والنقصان، أو لمنع النقصان دون الزيادة، كأقل مدَّةِ الحيض والسَّفر، أو لمنع الزيادة دون النقصان، كأكثر مدَّة الحيض؛ وهذا التقدير ليس لمنع الزيادة، فلو لم يفد منع النقصان لم يبق لهذا التقدير فائدة، وحاشا أن يكون التقدير المنصوص خالياً عن الفائدة» (٣).

وقوله: «لما ذكرنا» إشارة إلى حديث الزهري، وما ذكره من شبهة البدليَّة.

وقوله: «والوصيَّة»؛ أي: الوصاية؛ لأنَّه في تعداد غير المال.

«ونحو ذلك» كالعتاق، والنسب وتوابعها، كالإعارة، والإجارة، والكفالة، والأجل، وشرط الخيار كذا (٤)، في مبسوط شيخ الإسلام.

ثم المعنى في اشتراط عدد الاثنين في هذه الحقوق، أمَّا في الأموال فإنَّ المدَّعِي مع الشَّاهد الواحد يكون معارضاً لصاحب اليد؛ لأنَّ صاحب اليد ترجَّحَ على المدَّعِي بيده؛ لأنَّ الأصل أنَّ الأملاك في يد المُلَّاك، فلما شَهِدَ للمدَعِي رجلٌ واحدٌ صارت دعواه مع دعوى صاحب اليد متعارضين؛ لأنَّ اليد دليل الملك، وكذلك شهادة الواحد أيضاً دليل الملك.

ولما انضمَّ إليه شاهدٌ آخرُ؛ ترجَّحَ جانبُ المدَّعِي فحَكَم القاضي له.

فلما كان لا يثبت ترجح جانب المدعي إلا باثنين، تعيَّن ذلك العدد فيه، وكذلك في الدُّيون والنَّسب، لما أنَّ الأصل فراغ الذِّمَمِ، والصِّدق في الخبر؛ فتعادل المدعِي مع المدَّعَى عليه شاهد واحد، فيترجَّح بانضمام شاهد آخر إليه.


(١) سورة الطلاق: آية ٢.
(٢) في «ج»: [لا].
(٣) المبسوط (١٦/ ١١٢).
(٤) يُنظر: البناية شرح الهداية (٧/ ٣٧٠).