للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«فإن لم تجد امرأةً تداوي تلك القُرحة، ولم يقدروا على امرأة تعلم ذلك، وخافوا أن تهلك أو يصيبها بلاء، أو وجع لا يحتمل؛ فلا بأس بأن يستر منها كل شيء إلا موضع تلك القرحة؛ ثم يداويها رجلٌ، ويغضُّ بصره ما استطاع إلَّا عن ذلك الموضع؛ لأنَّ نظر الجنس إلى غير الجنس أغلظ، فيعتبر فيه تحقُّق الضَّرورة، وذوات المحارم وغيرهن في هذا سواءٌ؛ لأنَّ النَّظر إلى موضع العورة لا يحل بسبب المحرميَّةِ، [فكان] (١) المحرم فيه سواء» (٢).

«فكذا يسقط اعتبار العدد» (٣).

أي: يسقط اعتبار العدد في النِّساء اللاتي ينظرن إلى موضع الولادة والبكارة، حتَّى اكتفي بالواحدة؛ لأنَّ نظر الواحدة أخفُّ من نظر الاثنتين والثلاث، كما أنَّ نظر الجنس أخفُّ من نظر غير الجنس.

فإن قلتَ: في هذا التَّعليل نوع مناقضة؛ لأنَّه لو كان جواز الاكتفاء بنظر الواحدة لخفة نظرها، لما كان نظر اثنتين والثلاث أحوط من نظر الواحدة، كما أنَّ نظر الرجل لم يكن أحوط مع كمال عقله من نظر المرأة لما أن نظر الجنس أخف (٤).

قلتُ: ليس فيه مناقضةٌ؛ بل فيه عمل بالدلائل بقدر الإمكان.

بيان ذلك ما ذكره في شهادات المبسوط، وقال: «وحقيقة المعنى أنَّ نظر الرَّجل إلى هذا الموضع غير متعذر ولا ممتنع؛ ولكن نظر الجنس إلى الجنس أخف، فإذا أمكن تحصيلُ المقصود بشهادة النِّساء يسقط اعتبار صفة الذُّكورة لهذا المعنى، وهذا المعنى موجود في العَدَدِ، فإنَّ نظر الواحدة أخفُّ من نظر الجَماعة، فيسقط اعتبار العدد بالمعنى الذي يسقط اعتبار الذكورة؛ ولهذا لا يسقط اعتبار الحريَّةِ فيه؛ لأنَّ نظر المملوكة ليس بأخفِ من نظر الحُرَّة؛ ولهذا لا يسقط أيضاً اعتبار الإسلام فيه؛ لأنَّ نظر الكافرة ليس بأخفِّ من نظر المسلمة؛ فيعتبر من الشرائط ما يمكن اعتباره، ولا يعتبر ما لا يمكن اعتباره على هذا الحرفِ نُسلِّم أنَّه شهادة؛ ولكن يدعى أنَّه سقط اعتبار العدد فيه بالمعنى الذي سقط اعتبار الذكورة.

وفي الحاصل هذا أحد شبههاً من الأصلين من الشَّهادات لمعنى الإلزام، ومن الإخبار؛ لأنَّ صفة الذكورة فيه لا تشترط ثم فوفَّرنا حظَّه على الشُّبهَتَينِ، فقلنا لِشَبَهِهِ بالإخبار يسقط اعتبار العدد فيه شرطاً، ويبقى معتبراً احتياط كما في رواية الإخبار أن الواحد يكفي، والمثنى والثلاث أحوط؛ لزيادة طمأنينة القلب، ولاعتباره بالشَّهادة شرطنا فيه الحريَّة والإسلام ولفظة الشَّهادة؛ وهذا لأنه مختَصٌّ بمجلس القاضي؛ فلهذا يُشترط فيه لفظة الشَّهادة» (٥).


(١) في «ج»: [وكان].
(٢) الهداية (٣/ ١١٧).
(٣) الهداية (٣/ ١١٧).
(٤) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٠).
(٥) المبسوط (١٦/ ١٤٣ - ١٤٤).