للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصل اختلافهم راجع إلى أن المراد من قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] ماذا؟ وكان عمر وعبد الله بن مسعود وابن عمر-رضي الله عنهم-يحملونه على المس باليد، وكانوا يقولون بأن الله تعالى أباح التيمم للمحدث فلا يباح للجنب؛ لأن القياس أن لا يكون التيمم طهورًا، وإنما عرف طهورًا في حق الحدث بخلاف القياس، والجنابة فوق الحدث فلا تثبت طهوريته في حقها، وعلي وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- يحملون الملامسة على الجماع، وكانوا يقولون بأن الله تعالى أباح التيمم للجنب كما أباح للمحدث، وأصحابنا-رضي الله عنهم- أخذوا بقول علي وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم-، ورجحوا قولهم بسياق الآية وبأخبارٍ وردت موافقة لسياق الآية، أما سياق الآية فإن الله تعالى بين حكم الحدث والجنابة في آية الوضوء، ثم نقل الحكم إلى التراب حال عدم الماء وذكر الحدث الأصغر بقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] فيحمل لامستم على الحدث الأكبر ليصير الطهارتان والحدثان مذكورين في آية البدل كما [ذكرهما] (١) في آية الوضوء ليكون آخر الآية موافقًا لأولها، ولأنه متى حمل على الجماع كان حملاً لهذا اللفظ على فائدة جديدة، ومتى حمل على المس باليد يكون بيانًا للحدث الأصغر فيكون تكرارًا؛ لأن الأصغر مذكور في قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} في حق التيمم أيضًا، والسنة وردت بموافقة هذا وهو ما روي في حديث أبي هريرة: أن قومًا جاءوا إلى رسول الله عليه السلام إلى أن قال: «عَلَيْكُم بِأرْضِكُمْ» (٢).


(١) ساقطة من (ب).
(٢) الحديث رواه البيهقي في سننه (١/ ٢١٦) كتاب الطهارة، باب ما روي في الحائض والنفساء أيكفيهما التيمم. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء، قال: «عَلَيْكَ بِالتُّرابِ»، يعني التيمم، هذا حديث يُرف بالمثنى بن الصباح بن عمرو، والمثنى غير قوي، وفي رواية عنده (١/ ٢١٧): «عَليْكم بالأرْض». ويُعني عن هذا ما رواه البخاري في صحيحه (١/ ٥٣٣) كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء برقم (٣٤٤) بإسناده عن عمران: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: «ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: «عَليْكَ بالصَّعيْد فإنه يَكفِيك».
ورواه مسلم في صحيحه (١/ ٤٧٤) برقم (٦٨٢) كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-.