للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ الأولى ترجَّحت باتصال القضاء فلا ينتقض بالثانية، نظيره رجل معه ثوبان، أحدهما نجس فتحرى فصلى في أحدهما، ثم وقع تحريه على طهارة الآخر لا يجوز له الصلاة فيه؛ لأنَّ الأول اتصل بحكم الشَّرع فلا ينتقض هو بوقوع التَّحري في الآخر (١).

«وإذا شهدا على رجل أنَّه سرق بقرةً واختلفا في لونها قطع»، إلى قوله: «وقالا: لا يقطع» (٢)، هذا الخلاف فيما إذا كان المدَّعى يدَّعي سرقة البقرة فقط، أمَّا/ إذا ادعى سرقة بقرة بيضاء أو سوداء لا تقبل شهادتهما بالإجماع؛ لأنَّه كذَّب أحد الشَّاهدين.

وكذا الخلاف فيما إذا شهدا أنَّه سرق ثوباً، فقال أحدهما: هروي، وقال الآخر: مروي (٣)، فإن اختلفا في الزمان أو المكان لم تقبل عندهم. كذا ذكره الإمام التمرتاشي - رحمه الله - (٤).

«وقيل: الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة» (٥).

وأمَّا في لونين لا يتشابهان كالسواد والبياض لا تقبل شهادتهما بالإجماع، كذا ذكره الكرخي.

والأصح أن الكلَّ على خلافٍ. كذا في المبسوط (٦) والفوائد الظهيرية.

«لأن أمر الحد أهم» (٧)؛ أي: أمر الحد أعسر في الإثبات من الغصب؛ لأنَّ الحدَّ لا يثبت بالشَّهادة على الشَّهادة، ولا يثبت بشهادة النِّساء (٨).

ولا يثبت بأقل من الأربعة في الشُّهود بخلاف الغصب، فلما لم يثبت الغصب بمثل هذه الشَّهادة مع أنَّه أيسر ثبوتاً من الحَدِّ؛ فلأنْ لا يثبت الحد بهذه الشَّهادة أولى.

«وله أنَّ التوفيق ممكن»، إلى قوله: «واللونان يتشابهان» (٩)، فإن قيل: هذا احتيال وطلب توفيق لإثبات الحد وهو القطع، والحد يحتال [لدرئه] (١٠) لإثباته.


(١) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٣)، البحر الرائق (٧/ ١١٥).
(٢) المسألة بتمامها: «وإذا شهدا على رجل أنَّه سرق بقرة واختلفا في لونها قطع، وإن قال أحدهما: بقرة، وقال: الآخر: ثوراً؛ لم يقطع، وهذا عند أبي حنيفة/، وقالا: لا يقطع في الوجهين جميعاً».
(٣) ثوب هروي-بالتحريك، ومروي بالسكون-منسوب إلى هراة، ومرو قريتان معروفتان بخراسان. ينظر: المغرب (١/ ٥٠٣).
(٤) سقط من: «س».
(٥) الهداية (٣/ ١٢٧).
(٦) المبسوط (٩/ ١٦٢).
(٧) قال في الهداية (٣/ ١٢٧): «لهما أن السَّرقة في السَّوداء غيرها في البيضاء، فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة وصار كالغصب بل أولى؛ لأن أمر الحد أهم وصار كالذكورة والأنوثة».
(٨) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٥٦٤).
(٩) تمام المسألة: «وله أنَّ التوفيق ممكن؛ لأنَّ التحمل في الليالي من بعيد واللونان يتشابهان أو يجتمعان في واحد». الهداية (٣/ ١٢٧).
(١٠) في «ج»: [الدرءه].