للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه انسداد باب القضاء بالشَّهادة وهو مفتوح، فعلم بهذا أن بتكذيب المدَّعَى عليه الشُّهود لا يلزم تفسيق الشُّهود، ولما كان كذلك كان تكذيب المدَّعِى الشُّهودَ في القضاء إنما كان في حال كونه مدَّعىً عليه في حق القضاء، فتكذيبهم فيه لا يوجب تفسيقهم؛ لما قلنا إن تكذيب المدَّعَى عليه لا يوجب التفسيق.

فإن قيل: ينبغي أن يكون هذا التكذيب مؤثراً في المدَّعى حتى لا يثبت القرض، وإن لم يكن مؤثراً في حق القضاء.

قلنا: ظهور التَّكذيب في حق القرض بناءً على ظهوره في حق القضاء، وقد قلنا: إنَّه لا يظهر في حق القضاء؛ لما ذكرنا أنَّ قضاء الدين ليس بمشهود به، فلا يظهر في حق القرض.

«وإذا شهد شاهدان أنَّه قتل زيداً يوم النحر بمكة … » (١) إلى آخره.

وفي الذَّخيرة (٢): «وإذا شهد أحد الشَّاهدين على القتل والآخر على إقرار القاتل بالقتل لا تقبل هذه الشَّهادة؛ لأن القتل فعلٌ، والإقرار قولٌ، والقول غير الفعل فاختلف المشهود به، وكذلك لو اتفقا على القتل واختلفا في المكان أو الزمان لا تقبل الشَّهادة؛ لأنَّ المشهود به قد اختلف، لأنَّ الفعل الثاني غير الفعل الأول حقيقةً وحكماً.

أما حقيقةً فظاهر؛ لأنَّ الأول حركات مَضَتْ، والثاني حركات يحدثها الله تعالى الآن.

وأمَّا حكماً؛ فلأنَّه لا يمكن أن يجعل الثاني إخباراً عن الأول حتى يصير تكراراً للأول وإعادةً له؛ لأنَّ الإخبار عن الفعل بالفعل لا يكون، [فكان] (٣) الثاني فعلاً آخر غير الفعل الأول حقيقةً وحكماً.

وكذلك كل ما يكون من باب الفعل نحو الشجَّة وغير ذلك، فاختلاف الشُّهود في الإنشاء والإقرار، وفي الزمان أو في المكان يمنع قبول الشَّهادة.

وكذلك إذا اختلف في الآلة التي كان بها القتل، بأن شهد أحدهما أنَّه قتله [بالعصا] (٤) الكبير، والآخر قتله بيده لا تقبل الشَّهادة؛ لأنَّ المشهود به قد اختلف؛ ولأنَّ القتل يختلف باختلاف الآلة».

وذكر فيها (٥)، وفي المغني أيضاً: «وكل شهادةٍ على فعل اختلف فيه الشَّاهدان في المكان فإنَّها لا تقبل، إلا في مسألة واحدة ذكرها داوود بن [رشيد] (٦) عن محمد - رحمه الله - ذمي شهد عليه شاهدان فشهد أحدهما أنَّه رآه يصلي في مسجد بني زائدة شهراً، وشهد آخر أنَّه رآه يصلي في مسجد بني عامر شهراً، أو شهد أحدهما أني رأيته يصلي بالكوفة سنة، وقال آخر: رأيته يصلي بالشام، فإني أجيز شهادتهما، وأجيز على الإسلام؛ ولكن لا أقتله».


(١) « … وشهد آخران أنَّه قتله يوم النحر بالكوفة، واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين». الهداية (٣/ ١٢٧).
(٢) المحيط البرهاني (٨/ ٤٧٤).
(٣) في «ج»: [فكان].
(٤) في «ج»: [بالفضاء].
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٤٧٤).
(٦) في الأصل: داوود بن رستم، وهو خطأ، والصواب: داود بن رشيد.
وهو داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي، الإمام، الحافظ، الثقة، الخوارزمي، ثم البغدادي، مولى بني هاشم، رحال، جوال، صاحب حديث، من أصحاب محمد بن الحسن، من أصحاب حفص بن غياث، أصله خوارزمي سكن بغداد، روى عنه: مسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وروى له البخاري، والنسائي مات سنة ٢٣٩ هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (١١/ ١٣٣)، الجواهر المضية (١/ ٢٣٧).