للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لم يكذبه فيما شهد له، بل كذبه فيما شهد عليه، وذلك لا يقدح في شهادته (١).

بيانه: أنَّ الشَّاهدين إذا شهدا لإنسان بمال، ثم شهدا عليه بمال لإنسان آخر فكذبهما المشهود عليه الذي هو مشهود له أولاً، يقضي له بما شهدا له، وإن كان هو يفسقهما فيما شهدا عليه؛ لأنَّ هذا تفسيق عن اضطرار، والموجب/ للرد هو التفسيق عن اختيار.

وكذلك لو شهد الشَّاهدان لرجل على رجل بألف درهم ومائة دينار، فكذبهما المشهود له في المائة دينار، تقبل شهادتهما على الألف درهم.

إلى هذا أشار في الجامع الصغير لقاضي خان، والفوائد الظهيرية، والجامع الصغير للإمام المحبوبي (٢).

قال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير: لا يحل للشاهد الذي يعلم القضاء أن يشهد على أصل الدَّين؛ لعلمه أن المدَّعى يدَّعي المال بغير حق (٣).

قوله: - رحمه الله - (٤): «وفي الجامع الصغير رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم … » (٥) إلى آخره.

والتفاوت بين مسألة الجامع الصغير وبين المسألة [التي ذكر قبلها] (٦)، ففي مسألة الجامع الصغير أنَّ أحد الشَّاهدين شهد ثانياً بقضاء المديون كل ما كان للمشهود له عليه، وفيما قبلها شهد بالقضاء في بعض ما شهد للمشهود له (٧).

«قلنا: هذا إكذاب في غير المشهود به الأول، وهو القرض» (٨)؛ أي: [المشهود به الأول، وهو القرض] (٩) لم يوجد في حقه التكذيب وهو له، وإنَّما وجد التَّكذيب فيما عليه وهو الشَّهادة بالقضاء، وهو غير المشهود به الأول (١٠).

وقد ذكرنا أنَّ مثله لا يضر، [فكان] (١١) هذا التَّكذيب من المدَّعى راجعاً إلى ما شهد عليه، وهو القضاء لا إلى ما شهد له وهو القرض.

وحاصله أنَّ تفسيق المدَّعى الشُّهودَ يوجب الرد، وأمَّا تفسيق المدَّعَى عليه لا يوجب الردَّ؛ لأنَّ من زعم المدعى عليه أن الشُّهود كذبة فيما شهدوا به عليه، لأنَّه لو صدقهم لوجب الحق عليه باعترافه، فحينئذ لا يحتاج إلى الشُّهود، ولو اعتبر تفسيقه رداً للشهادة لما ثبت حكمٌ ما بشهادة الشُّهود.


(١) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٢).
(٢) ينظر: الكفاية شرح الهداية (٧/ ٣٧٩).
(٣) البناية شرح الهداية (٩/ ١٧١).
(٤) زيادة من: «س».
(٥) « … فشهد أحدهما أنه قد قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه» الهداية (٣/ ١٢٦).
(٦) في «س»: [ذكرها].
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٤٢).
(٨) الهداية (٣/ ١٢٦).
(٩) ما بين المعكوفين مكرر في النسختين.
(١٠) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٧٢).
(١١) في «ج»: [وكان].