للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«باتفاقهما عليه» (١)؛ أي: على وجوب الألف على المدعى عليه؛ لأنَّهما شهدا بالألف للمدعي على المدعى عليه.

فإن قيل: ينبغي أن لا يقبل؛ لأن أحد الشَّاهدين بقوله: قضاه خمسمائة صار مناقضاً لشهادته أولاً بأن للمدَّعِي على المدَّعَى عليه ألفاً، لأنَّه إذا قضاه خمسمائة لا يكون للمدعي على المدعى عليه ألف؛ بل يكون له خمسمائة لا غير.

قلنا: لا يكون مناقضاً؛ لأنَّ طريق قضاء الدَّين المقاص، فبقضاء الخمسمائة لا يبطل وجوب الألف، لأنَّه إذا قضى المديون خمسمائة يجب للمديون على رب الدين خمسمائة باعتبار القبض؛ لأنَّ هذا الذي قبضه عين والذي كان له على مديونه دين، والعين غير الدين، فلا يقضى به، فكان الألف على المديون باقياً على حاله؛ لكن القبض بطريق التملك يوجب الضمان، فبطل لذلك مطالبته رب الدين مديونه عن الخمسمائة لعدم الفائدة؛ لأنَّه لو طالبه بالخمسمائة يطالبه المديون أيضاً بما قضاه وهو الخمسمائة، فوقعت المقاصة (٢) فيما وجب على المديون بما وجب على رب الدين في حق تلك الخمسمائة المقضي بها ضرورة، فكان شهادتهما بالألف للمدعي نظراً إلى ابتداء الوجوب صدقاً؛ لأنَّ شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة؛ لأنَّ من مذهب أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- إن شهد أحد الشَّاهدين بألف والآخر بخمسمائة يقضي القاضي بخمسمائة، لكن لم يوافقه محمد في هذا؛ لأنَّه لم يشهد بالخمسمائة ابتداءً؛ بل اتفق شاهدان بوجوب الألف للمدعي على المدعى عليه، وجوابه ما قلنا، وهو قوله: «لاتفاقهما عليه … » (٣) إلى آخره.

ولو قال قائل: من جانب أبي يوسف - رحمه الله - (٤) أنَّ المشهود له كذَّب أحد شاهديه، والشَّاهد الذي شهد بقضائه الخمسمائة، فإن المدَّعى لما ادَّعى الألف في الحال كان ذلك تكذيباً له، وتكذيب المشهود له الشَّاهد موجب للرد؛ لأنَّ ذلك تفسيق منه إياه.


(١) الهداية (٣/ ١٢٦).
(٢) المقاصة: من قصصت الأثر؛ أي تتبّعته، وقاصصته، قصاصاً، ومقاصّة: إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك، فجعلت الدّين في مقابلة الدّين، مأخوذ من اقتصاص الأثر. المصباح المنير (٢/ ٥٠٥).
واصطلاحاً: هي إسقاط دين مطلوب لشخص على غريمه في مقابلة دين مطلوب من ذلك الشخص لغريمه. الموسوعة الفقهية الكويتية (٢١/ ١٣٩).
(٣) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٢٦): «وإذا شهدا بألف وقال أحدهما قضاه منها خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف لاتفاقهما عليه؛ ولم يسمع قوله إنه قضاه؛ لأنه شهادة فرد، إلا أن يشهد معه آخر، وعن أبي يوسف/ أنَّه يقضي بخمسمائة؛ لأنَّ شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة».
(٤) سقط من «س».