للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن «قال المدَّعى: لم يكن إلا [الألف] (١)» (٢)؛ يعني أنَّ المدَّعى إذا كان ادَّعى أقل المالين عند شهادة أحد الشَّاهدين بالألف والآخر بألف وخمسمائة، لا يقضي القاضي بشيء أصلاً؛ لأنَّ المدَّعِى كذَّب الشَّاهد الذي شهد بألف وخمسمائة، وتكذيب الشَّاهد تفسيقٌ، فكان مبطلاً شهادته، فبقي شاهدٌ واحدٌ، فلا يقضي القاضي به لانفراده (٣).

فإن قلت: المدَّعى لم يكذب الشَّاهد الذي شهد بألف وخمسمائة في جميع ما شهد؛ بل كذبه في بعضه وهو الخمسمائة، فلم لا يقضي القاضي بالباقي؟ كما في تكذيب المقَرَّ له المقِرَّ في بعض ما أقر، حيث يقضي القاضي على المقِرَّ في بعض ما أقرَّ بما بقي بعد التكذيب.

قلت: الفرق بينهما هو ما ذكرنا أن المدَّعِى كذَّبه في بعض ما شهد به، وتكذيب الشَّاهد تفسيقٌ فشهادة الفاسق لا تقبل، فكان فسقه مبطلاً شهادته، وكذلك في الإقرار كذَّب المقَرَّ له المقِرَّ في بعض ما أقر به، [وهو أيضاً تفسيق له] (٤)، إلا أن فسق المقر لا يمنع صحة إقراره؛ فلذلك صح إقراره فيما بقي.

«[وكذلك] (٥) إذا سكت» (٦)؛ أي: سكت عن قوله لم يكن إلا الألف، وعن ذكر التوفيق؛ أي: لم يقل هذين الوجهين بل ادَّعى الألف لا غير.

والمسألة بحالها حيث شهد أحد الشَّاهدين بألف والآخر خمسمائة، لا يقضي القاضي للمدَّعِي بشيء، كما لو قال: لم يكن لي عليه من الابتداء إلا الألف؛ لأنَّ التكذيب ثابت ظاهراً، فلا تقبل شهادتهما من غير ذكر التوفيق.

وقد ذكرنا فيما قبل أن فيما يحتمل التوفيق الأصح أن يذكر التوفيق صريحاً، ولا يكتفي بالاحتمال.

وذكر الإمام التمرتاشي - رحمه الله - عند هذا الذي ذكره في السُّكوت جواب الاستحسان.

وأمَّا جواب القياس؛ فإنَّه يقبل؛ لإمكان التوفيق، فكان حاصل أحوال مدَّعِي أقلَّ المالين عند اختلاف الشَّاهدين لا يخلو عن ثلاثة أوجه بقسمة عقلية.

إمَّا أن يكذِّب من شهد له بالزيادة، بأن يقول: لم يكن لي عليه من الابتداء إلا الألف، أو يوفق ما قال كان لي عليه ألف وخمسمائة، إلَّا أنِّي استوفيت منه خمسمائة، أو أبرأته عنها، أو سكت عن ذكر هذين الوجهين؛ بل يدعي الألف لا غير، [وجواب] (٧) كلها مذكور (٨).


(١) في «س»: [ألف].
(٢) تمامها في الهداية (٣/ ١٢٦): «وإن قال المدعي لم يكن لي عليه إلا الألف فشهادة الذي شهد بالألف وخمسمائة باطلة؛ لأنَّه كذبه المدعي في المشهود به».
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٧٠).
(٤) في «ج»: [وهو أيضاً تفسيق له وهو أيضاً].
(٥) في «س»: [وكذا].
(٦) الهداية (٣/ ١٢٦).
(٧) في «س»: [فجواب].
(٨) ينظر: المحيط البرهاني (٧/ ٥٧)، بدائع الصنائع (٦/ ٢٧٨).