للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أبي يوسف - رحمه الله -: تقبل؛ لأنّ اليد حقٌ مقصودٌ كالملك، فالملك متى ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل، فكذا في اليد، [فصار] (١) كما لو شهدوا بالآخر من المدَّعى، يعني: أن الشَّاهدين إذا شهدا بأنَّ الدار كانت في يد المدَّعى وأخذها المدَّعَى عليه الذي هو صاحب اليد تقبل شهادتهما، وترد الدار إلى المدَّعى، وكذلك إذا أقرَّ المدَّعَى عليه بأنَّها كانت في يد المدَّعِى، على ما ذكر في الكتاب (٢).

«لأنّ َاليد منقضية» (٣)؛ أي: يد المدَّعى زائلة وليست بقائمة، حتى تحمل على الملك باعتبار الظاهر (٤).

«وهي متنوعة إلى ملك، وأمَّانة، وضمان»، بأنْ كانت يد غصب، فلما تنوعت اليد إلى هذه الأوجه الثلاثة لم يجب الرد؛ لأنَّه لو وجب الرد من وجه لم يجب من وجهين، فلا يجب بالشَّك (٥).

«وبخلاف الأخذ»، فإن الأخذ موجب للرد شرعاً.

«ولأنَّ يد ذي اليد معاين، ويد المدَّعى مشهود به»، والمعاين راجح؛ لأنَّ المعاينة توجب العلم، والشَّهادة توجب عليه الظَّنَّ، فما كان يوجب العلم أولى (٦).

فإن قلت: هذا الذي عليه هو ترجيح جانب المعاينة على جانب الشَّهادة عمل على خلاف العمل في سائر المواضع، فإن في سائر المواضع أينما كان العمل بالبينات أكثر إثباتاً كان تلك البيِّنة أولى بالعمل، حتى قلنا برجحان بينة الخارج على بينة ذي اليد في دعوى الملك المطلق؛ لكون بينة الخارج أكثر إثباتاً، وهو الملك واليد، فلما ترجحت هناك بينة الخارج على البيِّنة واليد، أعني بينة ذي اليد ويده؛ فلأن تترجَّح بينة الخارج هنا على اليد المجردة أولى (٧).

قلت: ذاك مُسلَّم فيما لا يتنوع ما أثبتته البيِّنة، والملك المطلق لا يتنوع إلى أمانة وضمان، وعدم وجوب الردَّ هنا إلى المدَّعى باعتبار احتمال اليد هذين النوعين؛ ولكن باعتبار احتمال يد الملك موجب للرد، فلما تعارضت الأيدي على هذه الأوجه أوجب الشَّكَّ في الرد فلم يرد.

وأمَّا في دعوى الملك المطلق خلص ما يوجب الرد، وهو الملك عن التنوع، فعُمل بما هو موضوع البينات، وهو أنَّ ما كان منهما أكثر إثباتاً فهو أولى.


(١) في «س»: [وصار].
(٢) ينظر: المحيط البرهاني (٩/ ١٤٣)، بدائع الصنائع (٥/ ١٤).
(٣) الهداية (٣/ ١٢٨).
(٤) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٣)، تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٧).
(٥) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٧).
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٤).
(٧) ينظر: المحيط البرهاني (٩/ ٢٢)، الغرة المنيفة (١/ ١٨٤)، البناية شرح الهداية (٩/ ٣٢٧)، العناية شرح الهداية (٨/ ١٧٥).