للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا ثبت التَّقوُّم قلنا: المتقوم مضمون بالإتلاف مالًا أو غير مال، كالنفس، وحجتنا في ذلك أن البُضع غير مضمون بالمال عند الإتلاف؛ لأنَّ ضمان الإتلاف يتقدر بالمثل، ولا مماثلة بين البُضع والمال صورةً ومعنى، فأمَّا عند دخوله في ملك الزوج المتقوم هو المملوك دون الملك الوارد عليه، وكان تقومه لإظهار خطر ذلك المحل، حتى يكون مضموناً عند الابتذال ولا تملك مجانًا [فإنما] (١) يملك المرء مجانًا لا يعظم خطره عنده، وذلك محل له خطر، مثل النفوس؛ لأنَّ النَّسل يحصل به، وهذا المعنى لا يحصل في طرف الإزالة، فإنَّها لا يتملك على الزوج شيئًا؛ ولكن يبطل ملك الزوج عنها، ألا ترى أن ما هو مشروط لمعنى الحظر عند التملك، كالشُّهود والولي لا يشترط شيء منه عند الإزالة، وأن الأب لو زوج ابنه الصغير بماله يصح ذلك، ولو خلع ابنته الصغيرة بمالها من زوجها لم يصح ذلك.

وهذا بخلاف ملك اليمين فهو ملك مال، والمال مِثلٌ للمال صورة/ ومعنى، فعند الإتلاف يضمن بالمال.

فأمَّا تقوم النفس بالدِّية عند الإتلاف فللصيانة عن الهدر، وإظهار خطر المحل، وهذا لا يوجد في ملك القصاص، فالعفو مندوب إليه، فيكون إهداره حسنًا بهذا الطريق؛ لأن القصاص حياة حكمًا، وفي العفو حياة حقيقة، فلا يمكن إيجاب الضمان على المتلف هنا لمعنى الصيانة، فلذلك لم يضمن شهود العفو عن القصاص إذا رجعوا عندنا، خلافًا للشافعي - رحمه الله - (٢). كذا في المبسوط (٣).

«لأنَّ منافع البُضع غير متقومة» (٤)؛ لأنّ َالتقوم يتحقق عند [الإحراز] (٥)، والإحراز لا يمكن في الإعراب، وكذلك سائر المنافع لا تضمن بالإتلاف، على ما يجيء في الغصب إن شاء الله تعالى.

وذكر في شرح الطحاوي (٦): [أن رجلاً] (٧) لو ادَّعى أنَّه استأجر الدار من هذا الرجل بعشرةٍ، وأجر مثلها مائة، والمؤاجر ينكر ذلك، فشهد بذلك شاهدان ثم رجعا، فلا ضمان عليهما؛ لأنَّهما أتلفا المنفعة عليه، ومتلف المنفعة لا ضمان عليه (٨).


(١) في «س»: [فإن ما].
(٢) سقط من: «س».
(٣) المبسوط (١٦/ ١٨٨).
(٤) الهداية (٣/ ١٣٣).
(٥) في «ج»: [أحراز].
(٦) الطحاوي: هو الإمام أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي، أبو جعفر، الفقيه الحنفي، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ في (طحا) من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشافعيّ، ثم تحول حنفياً، ورحل إلى الشام سنة ٢٦٨ هـ، فاتصل بأحمد بن طولون، فكان من خاصته، له: شرح معاني الآثار، وشرح مشكل الآثار، وأحكام القرآن، ومختصر في الفقه الحنفي، توفي بالقاهرة سنة ٣٢١ هـ.
ينظر: الجواهر المضية (١/ ١٠٢)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٧)، الأعلام للزركلي (١/ ٢٠٦).
(٧) سقط من «س».
(٨) شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٨/ ١٦٥).