للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ينبغي أن يضمن الشَّاهدان للمرأة ما زاد على ما شهدا إلى تمام مهر مثلها في هذه الصورة، وهي ما إذا شهدا عليها بالنكاح بأقل من مهر مثلها؛ لأنَّهما أتلفا الزيادة على المسمى من منافع بضعها بغير عوض من حيث الحكم، وإتلاف منافع البُضع حقيقةً بغير عوض يوجب الضمان، كما قالوا في المجنون إذا أكره امرأةً وزنى بها، فإنَّه يجب مهر المثل، فكذا الإتلاف من حيث الحكم ينبغي أن يوجب الضمان؛ إظهارًا لخطر البُضع، كما في المال يجب إلى تمام القيمة.

قلت: القياس يقتضي أن لا يضمن منافع البُضع بالإتلاف الحقيقي أيضاً؛ لأنَّ القياس هو أن لا يُضَمَّن ما ليس بمال بالمال، وإنَّما وجب المال في فصل المجنون بالإتلاف الحقيقي شرعاً بخلاف القياس تعظيمًا لأمر البُضع، والنَّصُّ الوارد في الإتلاف الحقيقي بخلاف القياس لا يكون واردًا في الإتلاف الحكمي؛ لأنَّ الإتلاف الحكمي دون الإتلاف الحقيقي، فرد هذا إلى ما يقتضيه القياس، بخلاف ضمان المال عند الإتلاف؛ فإنَّ ذلك موافق للقياس؛ لكونه إتلاف الأعيان لا المنافع. إلى هذا أشار في الذَّخيرة (١).

وقوله: «لأنَّه اتلاف بعوض لما أن البُضع متقوم حال الدخول في الملك» (٢).

يعني: لو اتلف مال الزوج في مقدار مهر مثل المرأة، فقد عوضاه منافع بضع المرأة بمقابله ذلك المال، فلا يضمنان، كما لو شهدا بشراء شيء بمثل قيمته ثم رجعا (٣).

«فإن قيل: منافع البُضع كيف تصلح عوضاً عن المهر وأن المرأة غير مال، ومنافع البُضع ليست [بعين] (٤) مال، بدليل أنَّه يثبت الحيوان دينًا في الذِّمَّة بدلاً عنها.

قلنا: منافع البُضع حالة الدخول في الملك أعطى لها حكم المال شرعًا؛ بدليل أنَّ الشرع جوَّز للأب أن يزوج ابنه الصغير امرأةً بمهر مثلها من مال الصغير، والوالد لا يملك إزالة ملك الصغير إلا بعوض يعدله، ألا تَرى أنَّه لو خالع ابنته الصغيرة بمالها لم يجز، وإن كان المسمى مثل مهر مثلها، فلما جوَّز الشرع للأب النكاح لابنه الصغير بماله علمنا أن منافع البُضع اعتبرت مالًا عند الدخول في الملك فصلحت عوضًا. كذا في الذَّخيرة (٥).

«وإن كان بأقل من القيمة ضمنا النقصان؛ لأنَّهما أتلفا هذا الجزء بلا عوض» (٦).


(١) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٥٤٤).
(٢) الهداية (٣/ ١٣٣).
(٣) البناية شرح الهداية (٩/ ٢٠٧).
(٤) في «ج»: [بغير].
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٥٤٣).
(٦) الهداية (٣/ ١٣٣).