للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: فإن قيل لا كذلك في البيع بشرط الخيار للبائع لا يزيل ملكه عن المبيع، وقد كان متمكناً من دفع الضَّرر عن نفسه بفسخ البيع في المدة، فإنَّه إذا لم يفعل كان راضياً بهذا البيع، فينبغي أن لا يضمن الشَّاهدان شيئاً.

قلنا: زوال الملك وإن كان يتأخر إلى سقوط الخيار، فالسبب هو البيع المشهود به؛ ولهذا استحق المشتري بزوائده [فكان] (١) الإتلاف حاصلاً بشاهدتهم، فالبائع كان منكراً لأصل البيع فمع إنكاره لا يمكن أن يتصرف بحكم الخيار؛ لأنَّه إذا تصرف بحكم الخيار يصير مقراً بالبيع ويتبين للناس كذبه والعاقل يتحرَّز عن ذلك بجهده، فلهذا لا يعتبر تمكنه من الفسخ في إسقاط الضمان عن الشُّهود، فلو أوجب البيع في الثلاث لم يضمن له الشَّاهدان شيئا؛ لأنَّه صار مقراً بالبيع مزيلاً ملكه باختياره، فلا يكون الشَّاهد متلفاً عليه بشهادته، وكذلك لو كان شرط الخيار للمشتري وهو منكر [للشراء] (٢) في قيمة العبد نقصان عن الثَّمن، فإن سكت المشتري حتى مضت المدة ضمن المشهود له النقصان عند الرجوع، وإن اختار البيع قبل الثلاث لم يضمنا له شيئاً لما بينا في جانب البائع».

لأنَّهما أكدا ضماناً على شرف السقوط لجواز أن تجيء الفرقة من جهتها بأن ارتدت -والعياذ بالله- أو طاوعت ابن زوجها فيسقط المهر أصلاً [وعلى] (٣) المؤكد ما على الموجب.

ألا ترى أن محرماً لو أخذ صيداً في الحرم فجاء رجل فذبحه في يده فإنَّه يجب الجزاء على المحرم ويرجع بذلك على القاتل؛ لأنَّه أكد الجزاء عليه وكان على شرف السقوط بأن يخلي سبيله كذلك ههنا. كذا في شرح الطحاوي (٤).

«ولأنَّ الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ» (٥)؛ وإنَّما قال في معنى الفسخ، ولم يقل هو فسخ؛ لأنَّ النكاح بعد اللزوم لا يقبل الفسخ.

لكن لما عاد كل المبدل وهو البُضع إلى المرأة كما كان صار بمنزلة فسخ البيع قبل القبض (٦).

وفي كل موضع إذا تم الفسخ بِجُعلٍ كأنَّ العقد لم [يجر] (٧) بين المتعاقدين لعود ما كان لهما إلى ملكهما [كملاً]، فعلى هذا التَّقدير كان وجوب نصف المهر على الزوج ابتداء؛ لكون العقد بسبب الفسخ كأن لم يكن، وذلك الوجوب على الزَّوج كان بسبب شهادة الشَّاهدين، فعند الرجوع يضمنان للزوج ما اتلفا عليه في وجوب نصف المهر.


(١) في «ج»: [وكان].
(٢) في «ج»: [للشري].
(٣) مكرر في «س».
(٤) ينظر: فتح القدير (٧/ ٤٩٠)، العناية شرح الهداية (٧/ ٤٩٠).
(٥) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ٢٠٨)، العناية شرح الهداية (٧/ ٤٩٠).
(٧) سقط من: «س».