للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان تصرفه بالولاية الأصليَّة كان عقده لنفسه ولغيره سواء فيما هو من حقوقه، والدَّليل عليه أنَّه مستغنٍ عن إضافة العقد إلى الموكل؛ فإنَّ الوكيل بشراء شيء بعينه لو لم يضف العقد إلى الموكل يقع للموكل بخلاف النكاح؛ حتى إذا أضافه إلى نفسه كان العقد له دون الموكل، فعرفنا أنه [معبر] (١) عنه يوضحه أنَّ الوكيل بالنكاح ليس له قبض المعقود عليه، والوكيل بالشراء إليه قبض السِّلعة.

وحقيقة الفرق أن كل عقد يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص، فالوكيل فيه كالعاقد لنفسه، وكل عقد لا يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه يكون معبِّراً، فموجب النكاح ملك البضع، وهو لا يحتمل النقل وموجب الشِّراء ملك الرقبة، وهو يحتمل النقل، فيجعل كأنَّ الوكيل تملكه بالشراء، ثم ملكه من الموكل هذا على طريقة الإمام الكَرخِي - رحمه الله - حيث يقول بأنَّ الملك وقع للوكيل أولاً؛ فأما على طريقة أبي طاهر الدبَّاس (٢) - رحمه الله - الملك يقع للموكل، ولكن بعقد الوكيل على سبيل الخلافة عنه، وملك النكاح لا يحتمل مثل هذه الخلافة، وأما ملك المال فيحتمل، ألا ترى أنَّ بعقد العبد الملك يقع لمولاه، وبعقد المورث يقع لوارثه بعد موته؛ فلهذا كان الوكيل فيه بمنزلة العاقد لنفسه فيما هو من حقوق العقد» (٣).

وذكر في التتمة بعد ما ذكر هذا الاختلاف على هذا الوجه.

[وقال] (٤) -شمس الأئمة- السرخسي- رحمه الله -: قول/ أبي طاهر أصح (٥)؛ ولهذا لو كان المشترى منكوحة الوكيل، أو قريبه لا يفسد النكاح، ولا يعتق عليه (٦)، في باب الوكالة بالسلم.

وذكر الصَّدر الشَّهيد أن القاضي الإمام أبا زيد -رحمهما الله- خالفاهما، وقال: الوكيل نائب في حق الحكم أصيل في حق الحقوق؛ فإنَّ الحقوق تثبت له، ثم تنتقل إلى الموكل من قبله، فوافق أبا الحسن في حق الحقوق، ووافق أبا طاهر في حق الحكم، وهذا حسن (٧).


(١) في «ج»: [معتبر].
(٢) أبو طاهر الدَّباس: هو محمد بن محمد بن سفيان، الفقيه، الحنفي، إمام الحنفية بما وراء النهر، قال ابن النجار: «إمام أهل الرأي بالعراق»، درس الفقه على القاضي أبي خازم، وهو من أقران أبي الحسن الكرخي، تخرج به جماعة من الأئمة، ولي القضاء بالشام وخرج منها إلى مكة وجاور وتوفي فيها، نقل عنه السيوطي في أول الأشباه والنظائر أنه رد جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة، وأنه كان ضريرًا.
ينظر: الجواهر المضة (٢/ ١١٦)، الوافي بالوفيات (١/ ١٣٧).
(٣) المبسوط (١٩/ ٣٤).
(٤) في «س»: [وقال: قال].
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ١٧).
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ١٧).
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ١٨)، البناية شرح الهداية (٩/ ٢٣٠).