للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لا تقبل الفصل عن السبب» (١) حتى لم يدخل فيها خيار الشرط؛ لأنَّ الخيار يدخل على الحكم فيوجب تراخيه عن السبب، وهذه العقود لا تحتمل تراخي الحكم؛ لأنَّ الأسباب في هذه العقود للإسقاط لا للإثبات (٢) والإسقاطات غير قابلة لتراخي الحكم بخيار الشرط وغيره؛ فلما لم تكن هذه العقود للإثبات؛ لم يجز فيها القول بثبوت الملك للوكيل، ثم بثبوته للموكل- كما هو تخريج الكرخي في الوكيل بالشِّراء- بل يثبت الملك لمن باشر السبب نيابة ابتداءً وهو الموكل.

«لأنه إسقاط» (٣)؛ أي: لأنَّ السبب في هذه العقود إسقاط بيان، هذا ما نقل عن العلَّامة مولانا شمس [الأئمة الكردري] (٤) - رحمه الله - أنَّ محل النكاح الأنثى من بنات آدم ليست من المحرمات، وهن في الأصل [خلقن] (٥) حرائر، والحرية تستدعي الخلوص، وانتفاء ورود الملك على من اتصف بها؛ إلا أنَّ الشارع أثبت نوع ملك على الحرة بالنكاح تحقيقاً لمعنى النسل؛ فكان في النكاح إسقاط لمعنى المالكية الذي كان ثابت للحرة بطريق الأصالة (٦).

ولكن لا يتحقق هذا الملك عليها إلا بالإيجاب، والقبول فبالنظر إلى هذا كان من قبيل [الإثبات] (٧) كما في البيع إلا أنَّا رجحنا جانب الأصالة، فقلنا بأنه من الإسقاطات، والسَّاقط متلاشٍ، فلا يجوز أن يسقط في حق الوكيل، ثم يسقط ثانياً في حق الموكل بالانتقال؛ لأنَّ الساقط لا يعود إلا بسبب جديد، ولم يوجد [فكان] (٨) حكم النكاح ثابتاً لمن أضيف إليه ابتداءً، وهو الموكل بخلاف البيع؛ فإن المحل فيه خلق مباحاً، وقابلاً [للتمليك] (٩) بطريق الأصالة، وذلك الحكم مما يقبل الانتقال من شخص إلى شخص، فيصح أن يقال فيه بالانتقال، [أو أن] (١٠) يصدر [السبب] (١١) من إنسان بطريق الأصالة، ويثبت حكمه إلى غيره بطريق الخلافة كالعبد يتهب أو يشتري بإذن المولى (١٢).


(١) الهداية (٣/ ١٣٨).
(٢) ينظر: فتح القدير (٨/ ١٩).
(٣) الهداية (٣/ ١٣٨).
(٤) في «س»: [الدين الكودري].
وهو: أبو الوحدة محمد بن عبد الستار بن محمد العمادي، الكردري، الحنفي، العلامة، فقيه المشرق شمس الأئمة، قرأ بخوارزم على برهان الدين ناصر بن عبد السيد المطرزي، وتفقه بسمرقند على شيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني وسمع منه، وبرع في المذهب وأصوله، وتفقه عليه خلق، ورحلوا إليه إلى بخارى، ولد سنة ٥٥٩ هـ، وتوفي ببخارى، في محرم، ٦٤٢ هـ.
ينظر: الجواهر المضية (٢/ ٨٢)، سير أعلام النبلاء (٢٣/ ١١٣)، الوافي بالوفيات (٣/ ٢٠٩).
(٥) في «ج»: [خلقت].
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ١٩).
(٧) في «س»: [الاثباتات].
(٨) في «ج»: [وكان].
(٩) في «س»: [للتمليك].
(١٠) في «ج»: [وأن].
(١١) سقط من: «س».
(١٢) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٥٧).