للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو رضي الوكيل بالعيب، وأبرأ البائع عن العيب؛ صح الإبراء.

وهذا الجواب ظاهر على قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-؛ لأنَّ الرد بالعيب من حقوق العقد، والوكيل أصيل في حق الحقوق؛ ألا ترى أنَّ الوكيل بالبيع يملك [إبراء] (١) المشتري عن الثمن عندهما، فالوكيل بالشِّراء لا يملك [إبراء] (٢) البائع عن العيب أيضاً، وأما على قول أبي يوسف، فقد اختلف المشايخ عامتهم على أنَّه يصح إبراء الوكيل البائع عن العيب، وفرقوا بين هذا وبين إبراء الوكيل بالبيع [المشترى] (٣) عن الثمن عند أبي يوسف - رحمه الله - فإنَّ ذلك ليس بصحيح عنده.

والفرق أن الوكيل بالشراء، والبيع أصيل من وجه فاعتبرنا جهة الأصالة في حقوق لا تضر بالموكل نحو المطالبة بتسليم المبيع والثمن، وما أشبه ذلك، واعتبرنا جهة النيابة في حقوق تضر بالمالك، والإبراء عن الثمن يضر بالمالك؛ لأن قبل هذا كان الثمن في ذمة المشتري، وبعد الإبراء لا يصير الثمن في ذمة الوكيل، وربما يكون المشتري (أملاء) أما الإبراء عن العيب لا يضر بالموكل؛ لأنه لا يثبت في حق الموكل بعد الإبراء إلا ما كان ثابتاً قبل الإبراء، فإن قيل الإبراء للموكل خيار أن يرضى بالعيب، وأن لا يرضى، ويلزم الوكيل، وهذا الخيار باقٍ بعد الإبراء عن العيب فنزل في حق هذا منزلة المالك؛ وإنما كان للموكل هذا الخيار بعد رضى الوكيل بالعيب؛ لأن الثابت في حق الحقوق عقدان تقديراً فرضى الوكيل بالعيب يوجب بطلان حق الرد في عقده أما لا يوجب بطلان/ الرد في عقد الموكل. كذا في الذخيرة.

« … لأنه عقد يملكه بنفسه فيملك التَّوكيل به» (٤) فتذكر ها هنا ورود مسألة التَّوكيل بالاستقراض شبهة حيث يملك الموكل الاستقراض بنفسه، ولا يملك التَّوكيل به وقد ذكرناه.

وكذلك ورود مسألة الوكالة من جانب المسلم إليه شبهة أيضاً، فإنَّ المسلم إليه لو باشر بنفسه لقبول المسلم فيه في ذمته يجوز، ولو وكل غيره به لا يجوز على ما نذكر.

«على ما مرَّ» (٥)؛ أي: في أول كتاب الوكالة.


(١) في «س»: [الإبراء].
(٢) في «س»: [الإبراء].
(٣) في «ج»: [والمشترى].
(٤) قال في الهداية (٣/ ١٤٠): «ويجوز التَّوكيل بعقد الصَّرف والسلم؛ لأنه عقد يملكه … ».
(٥) الهداية (٣/ ١٤٠).