للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وقال زُفَر: ليس له ذلك لأن الموكل صار قابضاً بيده»، أي: بيد الوكيل.

«أي: صار الموكل قابضاً بقبض الوكيل، بدليل أن هلاكه في يد الوكيل هلاكه في يد الموكل فكأنه [قبضه] (١) حقيقة، ثم دفعه إلى الوكيل؛ وهذا لأنَّ المقبوض أمانة [في يد الوكيل] (٢) والثمن دين على صاحبه، وليس للأمين أن يحبس الأمانة بدينه على صاحبها» (٣).

«ولنا أنَّ الموكل ملك المشترى بعقد باشره الوكيل ببدل استوجبه الوكيل عليه؛ فكان له أن يحبس العين به كالبائع مع المشتري؛ وهذا لأنَّ الوكيل مع الموكل بمنزلة البائع مع المشتري؛ أما لأنَّ الموكل يتلقى الملك من الوكيل بعوض، أو بعقد الوكيل بعوض؛ ولهذا لو اختلف الوكيل، والموكل في الثمن تحالفا، ولو وجد به الموكل عيبًا رده على الوكيل» (٤).

قوله - رحمه الله - (٥): «بأن الموكل صار قابضًا» بقبض الوكيل، ففيه طريقان:

«أحدهما: أن قبض الوكيل متردد يجوز أن يكون لتتميم مقصود الموكل، ويجوز أن يكون لإحياء حق نفسه؛ وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بجنسه، فكان الأمر فيه موقوفًا في الابتداء إن لم يحبسه عنه عرفنا أنَّه كان عاملاً له، وإن حبسه عنه عرفنا أنه كان عاملًا [لنفسه] (٦)، [وأن] (٧) الموكل [لم] (٨) يصر قابضاً يقبضه.

والثاني: أن هذا قبض لا يمكن التَّحرز عنه؛ لأنَّ الوكيل لا يتوسل إلى الحبس ما لم يقبض، ولا يمكنه أن يقبض على وجه لا يصير الموكل به قابضاً، وما لا يمكن التَّحرز عنه فهو عفو، فلا يسقط به حقه في الحبس؛ لأنَّ سقوط حقه باعتبار رضاه بتسليمه، ولا يتحقق منه الرضا فيما لا طريق له إلى التَّحرز عنه، فإذا [حبسه] (٩) الوكيل؛ فهلك في يده فعلى قول زُفَر هو غاصب فعليه ضمان مثله.

وفي قول أبي يوسف - رحمه الله -[يملك] (١٠) هلاك المرهون مضمونًا بأقل من قيمته، ومن الثمن، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله [يملك] (١١) هلاك المبيع مضمونًا بالثمن قل أو كثر» (١٢).

«فأبو يوسف يقول: ما صار مضموناً عليه بالحبس بحقه بعد أن لا يكون مضموناً؛ فيكون في معنى المرهون بخلاف المبيع؛ فإنَّه مضمون بنفس العقد حبسه البائع أو لم يحبسه؛ يوضحه أنه يحبسه ليستوفي ما أدى عنه من الثمن، والحبس للاستيفاء حكم الرهن/؛ ولأنَّ بهلاكه لا ينفسخ أصل البيع بخلاف المبيع إذا هلك في يد البائع فسقوط الثمن هناك لانفساخ البيع، وهما يقولان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشتري بدليل ما بينا من جريان التحالف، والرد [بالعيب] (١٣) فكما أن المبيع إذا هلك في يد البائع يسقط الثمن قلَّ أو كثر فكذلك ها هنا ولا نقول العقد لا ينفسخ ها هنا بل انفسخ فيما بين الوكيل والموكل، وإن لم ينفسخ في حق البائع ومثله لا [يمتنع] (١٤) كما لو وجد الموكل بالمشترى عيبًا فرده، ورضي به الوكيل فإنه يلزم الوكيل، وينفسخ العقد فيما بينه، وبين الموكل.


(١) في «س»: [قبض].
(٢) مكرر في «ج».
(٣) المبسوط (١٢/ ٢٠٤).
(٤) المبسوط (١٢/ ٢٠٤).
(٥) زيادة من: «س».
(٦) في «ج»: [بنفسه].
(٧) في «ج»: [أن].
(٨) في «ج»: [وإن لم].
(٩) في «ج»: [حبس].
(١٠) في «ج»: [يهلك].
(١١) في «ج»: [يهلك].
(١٢) المبسوط (١٢/ ٢٠٥).
(١٣) في «ج»: [بالبيع بالعيب].
(١٤) في «ج»: [يمنع].