للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ) (١) أي: بالغبن أو بالعين فلما جعل هذا بيعًا مطلقاً فِي اليمين كذا فِي الوكالة على ما ذكرنا من المَبْسُوط (٢).

فإن قلت: لا يلزم من جريان العرف فِي اليمين فِي نوع جريانه فِي البيع فِي ذلك النوع ألا ترَى أنه لو حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحمًا قديدًا يحنث وفِي التوكيل بشراء اللحم لو اشترى الوكيل لحمًا قديدًا يقع على المشتري لا على الآمر [فعلم هذا أنّ العرف قد يختلف بين اليمين والتوكيل] (٣) فلم تبق مسألة اليمين حينئذ حجة على ما مرّ.

قلت: جوابه أيضاً قد مرّ وهو أن التوكيل بشراء اللحم إنما يقع على لحم يباع فِي الأسواق والقديد لا يباع فِي السوق فلا يقع التوكيل عليه فعلم بهذا أنّ العرف اختلف فِي حقهما فاختلف الجواب لذلك، وأمّا هاهنا فالبيع بالمحاباة لا يخرج عن كونه بيعًا حقيقة وعرفاً أما حقيقة فظاهر، وأما عرفاً فيقال بيع رابح وبيع خاسر.

(وَالْمُقَايَضَةُ) وهي بيع العرض بالعرض (٤) (شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) (٥) جواب عن قولهما أيضاً.

فإن قلت: فمحال أن يوصف الشيء الواحد بصفة وبضدها أيضاً فِي حالة واحدة ولو قلنا بأن بيع المقايضة بيع من كل وجه ثُمَّ هو فِي ذلك الوقت شراء من كل وجه (٦) يلزم هذا فما وجهه.

قلت: لزوم المحال إنما يكون أن لو قلنا ذلك بجهة واحدة وليس كذلك فِي بيع المقايضة فإنه بيع من كل وجه بالنسبة إلى عرض نفسه وشراء من كل وجه بالنسبة إلى عرض/ صاحبه وليس [ببعيد] (٧) أيضاً أن ينسب الشيء الواحد إلى الشيئين إلى كل واحد منهما كملاً (٨) لوجود دليل النسبة إلى كل واحد منهما كملاً (٩) كالولد يضاف إلى كل واحد من الوالدين بأنّه ولده كملا وكالمرتهنين فِي حق رهن واحد يضاف إلى كل واحد منهما كملا، وإنّما جعلنا هكذا؛ لِأَنَّ البيع لابدّ له من مبيع وثمن وليس كل واحد منهما بأولى من الآخر فِي أن يجعل هو مبيعًا أو ثمنًا فجعل كل واحد منهمًا مبيعًا بمقابلة الآخر وثمنًا بمقابلة الآخر.


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٦).
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٢/ ٣٨٢).
(٣) [ساقط] من (ج).
(٤) يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (٢/ ٢٠٢).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٦).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٢/ ٢١٤)، العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (٨/ ٧٨).
(٧) في (ج) (يتعذر).
(٨) كملاً: قال الليث: هكذا يتكلم به، هو فِي الجميع والوحدان سواء، ليس هذا بمصدر ولا نعت، إنما هو كقولك أعطيته كله. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (٢/ ٢٣٣).
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٥).