للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر هذه المسألة فِي الْأَسْرَار (١) فِي كتاب البيوع منه وأجاب بما تمسّكا بمسألة المحاباة (٢) فِي [المرض] (٣) وبمسألة الأب والوصي فقال: فأما قولهم إنّ المحاباة تعتبر هبة حكمًا.

قلنا: لا تعتبر هبة بشيء من المبيع الذي تعلق الأمر به بل تعتبر للثمن ألا ترَى أن المريض إِذَا حابى ومات ولم يخرج من الثلث قيل للمشتري: [إما أن تزيد إلى الثلث] (٤) وإما إن ترده، ولا يلزمه ردُّ بعض المبيع حتمًا ولا يلزم الوصي؛ لِأَنَّهُ أُمر ببيع فيه صلاح اليتيم وذلك بيع رابح أو غير خاسر يقينًا فصار مأموراً بالبيع بصفة لا بمطلق البيع والمأمور بالبيع بصفة مرغوب فيها إِذَا فوت الصفة لا يصح (٥).

(وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ) هذا جواب عن قولهما (وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوَ بِالنُّقُودِ) (٦) فلمّا كان كل واحد منهما متعارفاً كان العرف مشتركا بينهما فلا يصلح حينئذ حجة لأحد الخصمين (٧) على الآخر وأشار فِي المَبْسُوط (٨) إلى ما قلنا فقال: والعرف مشترك فقد يبيع المرء الشيء للتبرم (٩) منه، وفِي هذا لا يبالي بقلة الثمن وكثرته وقد يبيعه للاسترباح فعند إطلاق الأمر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل.


(١) كتاب الْأَسْرَار لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي. ينسب إلى دبوسية، من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل فِي النظر واستخراج الحجج. برع فِي علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منها الْأَسْرَار وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك فِي مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (ت ٤٣٠ هـ).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٧/ ٥٨٨).
(٣) في (ج) (العرض).
(٤) [ساقط] من (ج).
(٥) (معرفة الغبن اليسير من الفاحش ليست بشرط في صحة التوكيل) يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (١١/ ٨٥).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٦).
(٧) الخصم من خاصمته فخصَمْته أخصُمه بالضم غلبتُه في الخصومة و قال الجوهري: الخصم معروف، يستوي فيه الجمع والمؤنث، لِأَنَّهُ فِي الأصل مصدر. ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول: خصمان وخصوم، والخصيم أيضاً: الخصم، الجمع خصماء، وخاصمته مخاصمة وخصاماً، الأسم الخصومة. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (٥/ ١٩٠)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (١/ ٢٥٨).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٦).
(٩) التبرم: السآمة والضجر. يُنْظَر: لسان العرب (١٢/ ٤٣).