للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ (١)؛ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ.

وَقِيلَ: بَل الْكَفَالَة عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَإِن التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَات الْكَفِيلُ وَالمَكْفُولُ عَنْه مُفْلِساً.

وذكر فِي الجامعِ الصَّغيرِ المنهاجي والتَّوَى على الكفيل بأن يموت مفلساً فلا ضمان عليه؛ لِأَنَّهُ يزداد بالكفالة والرهن معنى الوثيقة من غير أن يبرأ الْأَصِيل من الثمن وإن هلك الرهن فِي يده (٢) لم يضمن؛ لِأَنَّ استيفاءَ الرهنِ كاستيفاءِ الثمنِ (٣) من حيث أنه بدله أقيم مقامه ولو هلك الثمن فِي يده يهلك أمانة فكذلك الرهن بخلاف الوكيل يقبض الدين إِذَا أخذ بالدين رهنًا حيث لا يجوز حيث يتصرف بحكم الآمر حتى لو نهاه الموكل عن القبض صح نهيه [فيقتصر] (٤) على قدر المأمور دون غيره والرهن ليس بمأمور به فلا يتمكن من قبضه فأمّا الوكيل بالبيع يتصرف فِي الثمن بالولاية دون الآمر حتى لو نهاه الموكل عن قبض الثمن لم يعمل نهيه فينزل الوكيل فِي ذلك منزلة المالك والمالك لو ارتهن به جاز فكذلك الوكيل كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيُّ -رحمه الله- بخلاف الوكيل بقبض الدين فإنه لا يملك أن يأخذ رهنًا أو يأخذ كفيلاً مكان الدين، والوكيل بالبيع لو احتال بالثمن لم يجز عند أبي يُوسُف؛ لِأَنَّ الحوالة تتضمن إبراء المُحِيلِ، والوكيل لا يملك ذلك عنده ولو ردّ الرهن جاز وضمن للموكل أقل من قيمته ومن الثمن وعند أبي يُوسُف -رحمه الله- لا يصح ردّه (٥) كذا/ ذكره الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ -رحمه الله- (٦). والله اعلم.


(١) التَّوَى: أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ له أو يَمُوتُ مُفْلِسًا. يُنْظَر: البحر الرائق (٦/ ٢٧٢).
(٢) [لم يضمن فِي يده] ساقط من (ب).
(٣) يُنْظَر: الفروق للكرابيسي (٢/ ٧٥).
(٤) في (ج) (فيقضي).
(٥) (وإن اختلف في ذلك المضارب ورب المال فالقول قول المضارب لأن الأصل في المضاربة العموم ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة فقامت دلالة الإطلاق بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق فيه بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا ونسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم، قال ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه فلا ضمان عليه لأن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها والكفالة توثق به والارتهان وثيقة لجانب الاستيفاء فيملكهما بخلاف الوكيل بقبض الدين لأنه يفعل نيابة وقد أنابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن والوكيل بالبيع يقبض أصالة ولهذا لا يملك الموكل حجره عنه). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٨).
(٦) يُنْظَر: البحر الرائق (٧/ ١٧٣).