للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا بعد البراءة فإنَّه لما لم يوجب وكالة حال وجود التوكيل للمانع لا ينقلب وكالة بعد انعدام المانع كمن كفل الغائب فلم يصّح لعدم قبوله وهو شرط ثُمَّ إِذَا بلغه الخبر فأجاز لا يجوز أيضا عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وقد مرَّ.

(لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلاً لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاء ِذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ) (١) أي: ركن الوكالة وهو العمل للغير فانْعَدم عقدُ الوكالةِ لانعدامِ ركنِهِ وذلك لِأَنَّهُ لو صحت الوكالة يصير عاملاً لنفسه فإنَّه فِي قبض الدين يسعى فِي فكاك رقبته وصار هذا كالمحتال إِذَا وكَّل المحيل بقبض الدين من المحتال عليه لا يصير وكيلاً لما قلنا.

فإن قيل: يشكل هذا برب الدين إِذَا وكَّل المديون بإبراء نفسه عن الدين يصح ذكره فِي الجامع الكبير وإن كان المديون فِي إبراء نفسه ساعياً فِي فكاك رقبته.

قلنا: ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- فِي تعليل هذه المسألة (٢) أنَّ المديون لا يصلح وكيلاً عن الطالب بإبراء نفسه على خلاف المذكور فِي الجامع فكان للمنع فيه مجال كذا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، ولئن سلمنا مسألة الإبراء فنقول: إنَّ الإبراء تمليك بدليل أنّه يرتد بالردّ فلا يرد علينا بقضاء؛ لِأَنَّ كلامنا فِي الوكالة لا فِي التمليك.

فإن قيل: ينبغي أن تصح الوكالة فِي مسألتنا لِأَنَّهُ عامل لربّ الدين قصدًا؛ لِأَنَّ الموكل أصل فِي إثبات الوكالة فكان عمل الوكيل لنفسه واقعًا فِي ضمن عمله لغيره فتصح الوكالة اعتباراً للمتضمن الذي هو الأصل.

قلنا: لا نسلّم بل العمل لنفسه أصل؛ لِأَنَّ الأصل أن يقعَ تصرفُ كلِّ عاملٍ لنفسه لا لغيره (٣).

فإن قلت: [لما] (٤) استويا من هذا الوجه لقيام جهة الأصالة لكل واحد منهما وجب أن تبطل الكفالة بالوكالة هاهنا؛ لِأَنَّ الوكالة طارئة على الكفالة فكانت ناسخة للكفالة كما إِذَا تأخرت الكفالة تكون ناسخة للوكالة، فإن الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- ذكر فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أنّ الوكيل بقبض الدين إِذَا ضمن المال للموكل يصح الضمان وتبطل الوكالة وكذا يجب أن تبطل الكفالة بالوكالة إِذَا تأخّرت الوكالة [عن الكفالة] (٥).


(١) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٢) يُنْظَر: البحر الرائق (٧/ ١٧٩)، الفتاوى الهندية (٥/ ٤٤٢).
(٣) يُنْظَر: الإحكام؛ للآمدي (١/ ١٢٨).
(٤) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٥) [ساقط] من (أ) و (ج).