للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: من أين وقع الفرق بين الوكيل فِي الخصومة بطلب من جهة الطالب [وبين] (١) الوكيل الذي ثبتت وكالته فِي ضمن عقد الرهن حيث يملك الموكل عزل الوكيل حال حضرة الخصم وإن لم يرض به الخصم على ما ذكرت ولا يملك عزل الوكيل الذي ثبتت وكالته فِي ضمن الرهن حال حضرة المرتهن إِذَا لم يرض المرتهن به مع أن فِي كل منهما تعلق حق الغير بوكالة الوكيل فيهما ومع وجود هذه المفارقة كيف شبّه هذا به؟.

قلت: الفرق بينهما من حيث إنّ العزل لو صحّ فيما نحن فيه حال حضرة المدّعي وهو الطالب لا يبطل حق الطالب أصلاً؛ لِأَنَّهُ يمكنه أن يخاصم المطلوب.

وأمّا فِي مسألة الرهن لو صحّ العزل حال حضرة المرتهن [يبطل] (٢) حقّه فِي [البيع أصلاً؛ لِأَنَّهُ لا يمكنه أن يطالب الراهن بالبيع، وأمّا وجه التشبيه فهو تعلّق حق الغير بوكالة الوكيل وبطلان] (٣) حق ذلك الغير عند صحة العزل فِي غيبته إلى هذا أشار فِي الذَّخِيرَةِ.

(فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) (٤) وهذا عندنا (٥) وقال الشَّافِعِيُّ (٦): -رحمه الله- ينعزل؛ لِأَنَّ نفوذَ الوكالة لحق الموكل فهو [بالعزل] (٧) يسقط حق نفسه و يتفرد المرء بإسقاط حق نفسه، ألا ترَى أنه يطلّق زوجته ويُعتق عبده بغير علم منهما فيكون ذلك صحيحًا.

والثاني: أنّ الوكالة للموكل لا عليه ولهذا لا يكون ملزمًا إياه فلو لم ينفرد بالعزل قبل علم الوكيل به كان ذلك عليه من وجه، وذلك لا يجوز ولكنا نقول العزل خطابٌ ملزمٌ للوكيل بأن يمتنع من التصرف وحُكمُ الخطابِ لا يَثْبُتُ فِي حق [المخاطب] (٨) ما لم يعلم به (٩) كخطاب الشرع فإنّ أهل قباءٍ كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الأمر بالتوجه إلى الكعبة [وجوّز] (١٠) لهم رسول الله -عليه السلام- حين لم يعلموا به وكذلك كثير من الصحابة -رضي الله عنهم- شربوا الخمر بعد نزول تحريمها قبل/ علمهم بذلك وفيه نزل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (١١)؛ وهذا لِأَنَّ الخطاب مقصود للعمل به ولا يتمكن من العمل ما لم يُعلم به ولو أثبتنا العزل فِي حق الوكيل قبل علمه أدى إلى الإضرار به (١٢)، وهذا بخلاف ما إِذَا أعتق العبد الذي وكله ببيعه؛ (لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) لضرورة فوات المحل (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ) وهاهنا إنَّما يثبت [العزل] (١٣) قصدًا فلا يثبت حكمه فِي حق الوكيل ما لم يعلم به دفعًا للضرر عنه حتى إِذَا نفّذ القاضي على الوكيل قبل علمه بالعزل كان نافذاً كذا فِي المَبْسُوط (١٤).


(١) فِي (أ) (فيبق).
(٢) [ساقط] من (أ).
(٣) [ساقط] من (ج).
(٤) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٣).
(٥) أي عند الأحناف.
(٦) يُنْظَر: التنبيه (١/ ١١٠)، الحاوي في فقه الشافعي (٦/ ٥١٩)، المجموع شرح المهذب (١٤/ ١٥٤).
(٧) فِي (أ) (بالقول).
(٨) في (ج) (الطالب).
(٩) يُنْظَر: كشف الأسرار (٤/ ٤٨٠).
(١٠) [ساقط] من (ج).
(١١) سورة المائدة من الآية: (٩٣).
(١٢) [والغرور ولم يثبت للموكل عليه ولاية الإضرار به] ساقطه من (ج) والمعنى يصح بدونها.
(١٣) فِي (أ) (القول).
(١٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٢٧).