للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: قد جعل كون حكم الابتداء [لدوامه] (١) نتيجة كون التصرف غير لازم فكان فيه إشارة إلى أن التصرف إِذَا كان لازمًا لا يكون لدوامه حكم الابتداء فما الفقه فيه.

قلت: الفقه فيه هو أنَّ التصرف إِذَا كان غير لازم كان المتصرف فِي كل لحظة من لحظات دوام التصرف بسبيل من [النقض (٢) (٣)، والفسخ فلما لم يفسخ جُعل امتناعه عن الفسخ عند إمكانه منه بمنزلة ابتداء تصرف آخر من جنسه إنزالاً [لا] (٤) يتمكن مكان المبتدئ والمنشي كما قال صاحب الكشاف (٥) فِي قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} (٦) بعد سؤاله لنفسه بقوله: كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى؟ ثُمَّ أجاب عنه بأنّهم جعلوا على هدى تقديراً لتمكنهم منه فصار كأن الهدى كان فِي أيديهم فإِذَا تركوه إلى الضلالة فقد عطّلوه واستبدلوها به (٧) وهذا أيضاً كما ذكره الإمام المحقق شمسُ الأئمةِ السَّرْخَسِيُّ -رحمه الله- فِي أصول الفقه فِي أوائل النهي (٨) بأنّ مذهب أهل السنة والجماعة أنّ ترك الفعل فعل فيه من استعمال أحد الضدّين والانتهاء عن المنهي عنه إنما يتحقّق بالترك؛ وذلك لِأَنَّ حقيقة الانتهاء الامتناع عن [إيجاد] (٩) المنهي عنه كما فِي شرب الخمر مثلاً ثُمَّ إنْ دعته نفسه إلى الإيجاد يلزمه الترك ليكون ممتنعًا فكان هذا الامتناع عند دعاء نفسه إياه إلى ارتكاب المنهي فعلا منه تقديراً.

وهذا لِأَنَّ المنهي مثاب بالانتهاء لا محالة بقوله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)} (١٠)


(١) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٢) النقض: بيان أن ما اعتمده المستدل من المعنى غير معتبر. يُنْظَر: تقويم النظر (٢/ ٢٢٥).
(٣) في (ج) (التصرف).
(٤) [ساقط] من (أ) و (ب).
(٥) كتاب الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (٥٣٨ هـ) الْكِتَاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الْكِتَاب العربي ـ بيروت عام ١٤٠٧ هـ.
(٦) سورة البقرة من الآية: (١٦)، سورة البقرة من الآية: (١٧٥).
(٧) يُنْظَر: الكشاف؛ للزمخشري (١/ ١٠٧).
(٨) يُنْظَر: أصول السرخسي (١/ ٧٩).
(٩) فِي (أ) (ايجاب) وفي (ج) (الجانب).
(١٠) سورة النازعات من الآيتين (٤٠ - ٤١).