للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (١): صورة المسألة وقال: رجل قدم رجلاً إلى القاضي فادّعى عليه مالاً أو ضيعة في يده أو حقاً من الحقوق فأنكر واستحلفه القاضي فإن أبى أن يحلف فإنّه ينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا ألزمك المدّعي (٢) ثُمَّ يقول له القاضي: احلف بالله ما لهذا عليك هذا المال الذي يدعي وهو كذا وكذا ولا شيء منه فإن أبى أن يحلف في المرة الأولى يقول له في المرة الثانية كذلك فإن أبى أن يحلف في المرة الثانية يقول له: بقيت الثالثة ثُمَّ أقضي عليك إن لم تحلف، ثُمَّ يقول له ثالثاً: احلف بالله ما لهذا عليك هذا المال ولا شيء منه فإن أبى أن يحلف يقضى عليه بدعوى المدّعي وإن قضى القاضي بالنكول في المرة الأولى نفذ قضاؤه، ثُمَّ إن كان الاستحلاف عند غير القاضي كان المدعي على دعواه؛ لأنّ المعتبر يمين قاطعة للخصومة واليمين عند غير القاضي غير قاطعة وإن كان الاستحلاف الأوّل من القاضي لا يحلّفه ثانياً، وكذا لو اصطلحا على أنّ المدّعي لو حلف فالْمُدَّعَى عليه ضامن للمال وحلف فالصلح باطل ولا شيء على الْمُدَّعَى عليه.

وذكر الإمامُ اللَّامِشِيُّ -رحمه الله- (٣) أنّ المُدَّعِي لو قال: إن حلف الْمُدَّعَى عليه فأنا بريء أو قال: فدعاواي باطلة لا يبطل دعواه كذا في الفصول (٤) ثُمَّ إذا قطع القاضي الخصومة بيمين الْمُدَّعَى عليه بين الخصمين فالمدّعي على دعواه بعد ذلك أيضاً ولكن لا يخاصم الْمُدَّعَى عليه ما لم تقم له البينة على وفق دعواه فإذا وجد بينة فله ذلك؛ لأنه ذكر في المَبْسُوط (٥) في بَابِ الاستحلاف من أدب القاضي وبعض القضاة من السّلف كانوا لا يسمعون البينة بعد يمين الخصم وكانوا يقولون كما يترجح جانب الصدق في جانب المُدَّعِي بالبينة، ويتعيّن ذلك حتّى لا ينظر إلى يمين المنكر بعده فكذلك يتعيّن جانب الصدق في جانب الْمُدَّعَى عليه إذا حلف فلا يلتفت إلى بينة المُدَّعِي بعد ذلك ولسنا نأخذ بذلك، وإنّما نأخذ فيه بقول عمر -رضي الله عنه- (٦) فقد جوّز قبول البينة من المُدَّعِي بعد يمين الْمُدَّعَى عليه، وبقول شُرَيحٍ -رحمه الله- قال: اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة (٧)، ولسنا نقول بيمين الْمُدَّعَى عليه يتعين معنى الصدق في إنكاره (٨) ولكن المُدَّعِي لا يخاصمه بعد ذلك؛ لأنه لا حجة [له] (٩)؛ لأنّ حجة المدعي أحد الأشياء الثلاثة: البينة أو إقرار الخصم أو نكوله، فإذا وجد الحجة كان له أن يثبت حقه بها ثُمَّ إنّ المُدَّعِي إذا أقام البينة بعد يمين الْمُدَّعَى عليه هل يظهر كذب الْمُدَّعَى عليه أم لا؟


(١) يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (٢/ ٤٢٠).
(٢) في (ب) (المدعى عليه).
(٣) أبو علي الحسين بن علي أبي القاسم، عماد الدين اللامشي، نسبة إلى لامش، وهى قرية من قرى فرغانة من بلاد ما وراء النهر، إمام، فاضل، مناظر، سمع الحديث عن القاضي أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم القصار، والقاضي أبي بكر محمد بن الحسن بن منصور النسفي، سمع منه السمعاني، وتوفي بسمرقند فى يوم الإثنين خامس رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، وكان على طريق السلف من طرح التكلف، والقول بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يُنْظَر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٢١٥)، الأنساب للسمعاني (٥/ ٦٧١).
(٤) فصول العمادي في فروع الحنفية لجمال الدين بن عماد الدين المرغيناني الحنفي رتبها على: أربعين فصلا في المعاملات فقط، قال في أوله: وترجمت هذا المجموع: (بفصول الأحكام لأصول الأحكام) وقال: نجز في أواخر شعبان سنة ٦٥١ هـ. يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٢٧٠).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٦/ ٢٢٩).
(٦) يُنْظَر: تحفة الفقهاء (٣/ ١٨٢)، بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٦٤)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٢٠).
(٧) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (١٤/ ٣٠٨) باب البينة بعد اليمين برقم (٢٠٠٧٤).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٦/ ٢٢٩).
(٩) [ساقط] من (أ) و (ج).