للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورُوي عن عمر -رضي الله عنه- أن امرأة ادّعت على زوجها أنّه قال لها: حبلك على غاربك فحلّف عمر -رضي الله عنه- الزوج بالله ما أردت طلاقاً فنكل فقضى عليه بالفرقة (١).

وكذا روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- وهو مذهب أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- هذا كله في المَبْسُوط (٢) والْأَسْرَار (٣).

فترجح هذا الجانب إلى جانب كونه باذلاً أو مقراً على جانب التورع؛ لأن الشرع ألزمه التورّع عن اليمين الكاذبة دون الترفّع عن اليمين الصّادقة فلذلك ترجّح هذا الجانب في نكوله ولأنّه لا يتمكّن من الترفع عن اليمين الصادقة إلا ببذل المال لأنّه إنما يترفع ملتزمًا للضرر لا ملحقاً بالغير يمنع الحق كذا في المَبْسُوط (٤).

ولا يجوز أن يكون لاشتباه الحال إذ لو كان كذلك لاستمهل من القاضي لينكشف عليه الحال ولا وجه لرد اليمين لما قدّمنا إشارة إلى قوله: (ولا تردّ اليمين على المدّعي لقوله -عليه السلام- إلى آخره (٥).

(لإعلامه بالحكم) أي: الحكم بالنكول (إذ هو موضع الخفاء) لأنّ القضاء بالنكول مجتهد فيه فإنّ عند الشافعي (٦) -رحمه الله- لا يحكم بالنكوّل بل يرد اليمين إلى المدّعي فإن نكل المدعي انقطعت الخصومة على ما ذكرنا/ لما قدّمنا وهو قوله: (ولنا أنّ النكول دل على كونه باذلاً) إلى آخره (٧) هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم فإنّهم قالوا (٨): لو قضى القاضي بالنكول في المرة الأولى لا ينفذ (والأوّل أولى) أي: العرض (ثلاث مرات أولى) (٩) أي: القضاء بالنكول بعد العرض مرة جائز ولكن الأولى هو القضاء بالنكول بعد العرض ثلاث مرات وإن كان القضاء بالنكول بعد العرض مرة جائزاً فصار هذا كإمهال المرتد ثلاثة أيام فإنّه أولى وإن قتل ولم يمهل جاز كذا في أدب القاضي (١٠) الطرش أهون الصمم يقال هو مولد (١١).


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٣٤٣) باب ماجاء في كنايات الطلاق، وأخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٥٥١) باب ماجاء في الخلية والبرية بلفظ (انه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق ان رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله ان مره يوافيني بمكة في الموسم فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر من أنت فقال انا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك فقال له الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت.
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٦١).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٩٦).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٦٢).
(٥) «البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر» يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٦).
(٦) يُنْظَر: الأم (٧/ ٣٨)، الحاوي في فقه الشافعي (١٧/ ١٤٦)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (١٨/ ٦٦٥).
(٧) (أو مقرا إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٦).
(٨) منهم أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٧/ ٤٣٦).
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(١٠) شرح أدب القاضي (٢/ ٢٦٣ - ٢٦٤).
(١١) يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (٣/ ١٤٦).