للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ ذكر كيفية التحليف في دعوى المال بالنسب في المَبْسُوط (١) في بَابِ دعوى العتاق من كتاب/ الدَّعْوَى فقال: ولو أنّ رجلاً ورث داراً من أبيه فادّعى آخر أنه أخوه لأبيه قد ورث أباه معه هذه الدار وجحد ذو اليد ذلك لم يستحلف على النسب هاهنا بالاتفاق أما عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٢) فلا يشكل وعندهما (٣) كل نسب لو أقرّ به لا يصح لا يستحلف على ذلك النّسب إذا أنكره لما أنّ النكول عندهما قائم مقام الإقرار والأخوة لا تثبت بإقراره لو أقر بها فكذلك لا يستحلف عليها بخلاف البنوّة ولكن يستحلف بالله ما تعلم له في هذه الدار نصيباً كما [يدعي لأنه] (٤) يدعي المال قبله والاستحلاف يجري في المال إلا أنه استحلاف على فعل الغير لأنّه يدعي الإرث من الميت [بسبب] (٥) بينهما والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم لا على الثبات والأب في حق المرأة يعني إذا ادّعت المرأة على رجل أنّه أبوها (لأنّ في دعواها) أي: إقرارها (والمولى) أي: السيّد (والزوج في حقهما) (٦) أي: في حق الرجل والمرأة خصوصاً إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه وإنما قيّد امتناع القصاص بمعنى من جهة من عليه في حق وجوب المال احترازاً عن امتناع القصاص لمعنى من جهة من له القصاص فإن هناك لا يجب على الْمُدَّعَى عليه شيء لا القصاص ولا المال، كما إذا أقام مدّعي القصاص على ما ادّعى رجلاً و امرأتين أو الشهادة على الشهادة فإنّه لا يقضي بشيء؛ لأن الحجة قامت بالقصاص لكن استيفاء القصاص امتنع، والأصل فيه أنّ المال مشروع إذا أضيف التعذّر إلى من عليه اعتباراً بالخطأ واستدلالاً به وإذا أضيف إلى الولي بطل معنى المنة فلم يجب المال وفي مسألة الخلاف أضيف التعذر إلى الذي عليه وذلك أنه لم يصرّح بالإقرار فأشبه الخطأ وفي الفصل الآخر وهو ما إذا أقام رجلاً وامرأتين أضيف إلى الولي الذي أقام تلك البينة فلم يجب المال، ولأن الطالب يدعي القصاص ويتبرأ من المال فكيف يقضي له بغير ما يدّعيه وتعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جهة المدّعي وهو امتناعه من إقامة شاهدين واشتغاله باستحلاف الخصم وهذا بخلاف شهادة رجل وامرأتين أو الشهادة على الشهادة في السرقة أن المال يجب كما يجب في النكول؛ لأنّ المال ثمة أصل ثُمَّ يتعدّى إلى الحدود وإذا قصر لم يتعدّ فبقي الأصل، وهاهنا الأصل المشهود به القصاص ثُمَّ يتعدّى إلى المال إذا وجد شرطه فإذا لم يوجد بطل وشرطه أن يكون مشروعًا بطريق المنّة للخصمين جميعًا [أي] (٧) المنّة على القاتل فإن سلمت نفسه والمنة على المقتول بأن لم يهدر دمه وعلى هذا الأصل الذي ذكرنا وهو أنه متى تعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جانب الْمُدَّعَى عليه يقضي بالمال كما لو قال: قتلت ولي عمدًا فقال: لا بل قتلته خطأ ومتى تعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جانب المدّعي لا يقضي بالمال كما لو قال: قتلت وليي خطأ فقال: لا بل قتلته عمدًا وعلى هذا الأصل سوّيا بين النفس وما دون النفس وقالا عند النكول يقضي بالمال إلا أن أبا حَنِيفَةَ -رحمه الله- قال: يستحلف في النفس وإن كان لا يقضي فيها بالنكول؛ لأن اليمين حق مقصود لتعظيم أمر الدم ولهذا شرعت مكرّره في القسامة، وإذا نكل فقد امتنع من إيفاء حق مقصود وهو ممّا لا يجري فيه النيابة فيحبس إلى أن يحلف أو يقر كما إذا التعن الزوج ونكلت المرأة عن اللّعان، وفي سائر ما تقدم اليمين ليس بحق مقصود وإنما المطلوب منه القضاء بالنكول فما لا يجوز القضاء فيه بالنكول لا يشتغل بالاستحلاف كذا ذكره العلمان في التحقيق الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ، والإمام فخر الإسلام الْبَزْدَوِيّ في الجامع الصغير (٨) أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال من حيث أنّ الأطراف خلقت وقاية للأنفس كالأموال، فلما كان كذلك جرى البذل في الأطراف كما في الأموال ألا ترَى أنّه لو قال: اقطع يدي فقطعه لا يجب الضمان لا من حيث القصاص ولا من حيث المال بخلاف الأنفس حيث لا يجري البذل فيها ألا ترَى أنّه لو قال: لآخر اقتلني فقتله يؤخذ بالقصاص في رواية وبالدية في أخرى (٩) وفي التتمة تجب الدية في قول علمائنا الثلاثة كذا ذكره التُّمُرْتَاشِيّ -رحمه الله-. (١٠)


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٣١٥).
(٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٨/ ١٢٢).
(٣) عند أبي يوسف ومحمد. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٣/ ٤٤).
(٤) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٥) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٨).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٣٠/ ١٦٣)، والمحيط البرهاني (٨/ ٦٨٤).
(٩) (وبعضهم نفى القصاص وجعل الروايتين في وجوب الدية وعدمه). يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٨/ ٧٥).
(١٠) يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (٨/ ٢٠١).