للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعرفنا أنّ كلّ واحد منهما] (١) يدّعي حقاً ينكره صاحبه فيُحلّف كلّ واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادّعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقايضة وهلك أحد البدلين ثُمَّ اختلفا ثُمَّ إذا حلفا فقد انتفى كلّ واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا/ ثمن والبيع [بلا] (٢) ثمن يكون فاسدًا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب ردّ عينه في حال قيامه وردّ قيمته بعد هلاكه وأبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُف (٣) استدلا بقوله -عليه السلام-: «البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر» (٤) والبائع هو المدّعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأمّا المشتري فلا يدّعي لنفسه شيئاً على البائع؛ لأنَّ المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضاً ولكن تركناه بالنصّ وهو قوله -عليه السلام-: «إذا اختلف المتبائعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» (٥).

وقوله -عليه السلام-: «والسلعة قائمة» مذكورة على وجه الشرط لا على وجه التنبية لأنّ قوله -عليه السلام-: «إذا اختلف المتبائعان» شرط وقوله -عليه السلام-: «والسلعة قائمة بعينها» معطوف على الشرط وكان شرطًا؛ لأن موجب العطف الإشتراك والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة؛ لأنّ عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه يفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك، فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ ألا ترَى أنه لا يفسخ بالإقالة والردّ بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا؛ لأنّ الفسخ لا يردّ إلا ما ورد عليه العقد والمعقود عليه [فات لا] (٦) إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محلّه لا يتأتى بخلاف بيع المقايضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه؛ ولهذا جاز الفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف ولا معنى لقوله أنّ كلّ واحد منهما يدّعي عقداً آخر فإن [العقد لا يختلف] (٧) باختلاف الثمن، ألا ترَى أن الوكيل بالبيع بألف يبيع بألفين وأن البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن والبيع بألفين يصير [بألف] (٨) عند حطّ بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن إنما يمنع قبول الشهادة لا لاختلاف العقد بل لأنّ المدعى يكون أحدهما وقبول بينة المشتري عند الانفراد لأنه مدّعٍ صورةً لا معنًى، وذلك يكفي لقبول بينته، ولكن لا يتوجّه به اليمين على خصمه كالمودع يدّعي ردّ الوديعة ولا يتوجّه به اليمين على خصمه، وإن كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه أن المشترى لو كان جارية حلّ للمشتري وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجباً اختلاف العقد لما حلّ له وطؤها كما إذا ادّعى أحدهما البيع والآخر الهبة وبهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله: أنهما لما حلفا يبقى العقد بلا ثمن؛ لأنّه لو كان هكذا لما حلّ له وطئها والحديث المطلق فيه ما يدلّ على قيام السلعة وهو لفظ التراد؛ لأنّه لما كان المراد ردّ المأخوذ حساً وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد ردّ العقد فقد بيّنا أنّ الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أنّ المطلق والمقيّد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا وردا فالمطلق محمول على المقيد كذا في المَبْسُوط (٩).


(١) [ساقط] من (ج).
(٢) في (ب) (بغير).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٣٠٩)، مجمع الأنهر (٣/ ٣٦٤).
(٤) سبق تخريجه، ص (١٨١).
(٥) سبق تخريجه، ص (٢٥١).
(٦) في (ج) (فإن رد).
(٧) في (ج) (العبد لا يحلّف).
(٨) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٩) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٣/ ٥٩).