للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: النص شرعية التحالف إنّما ورد في البيع والنكاح ليس في معناه وهو ظاهر فكيف تعدي حكم النص من البيع إلى النكاح أو يقول أن التحالف إنما شرع في عقد يحتمل الفسخ لما أن الفسخ من أحكام التحالف ولا فسخ في النكاح بعد التحالف بالاتفاق فيجب أن لا يشرع فيه التحالف لعدم حكمه.

قلت: أمّا الأول: وهو ورود النص في البيع قلنا أنّ المعنى الموجب للتحالف هناك موجود هاهنا من كل وجه فيثبت التحالف في النكاح أيضاً بدلالة النص، وذلك لأن الموجب للتحالف هناك هو أن كلّ واحد من المتعاقدين مدّع ومنكر ولم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر في الدَّعْوَى/ والإنكار لتساويهما فيهما فكذلك قبلت بينتهما ويمينهما لأنّ كل واحد منهما يُنكر لما يدّعيه الآخر فحُلّف كلّ واحد منهما على دعوى صاحبه تمسُّكًا لقوله -عليه السلام-: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (١).

وأما الثاني: وهو أن الفسخ حكم التحالف والفسخ ليس بثابت هاهنا فجوابه مذكور في الْكِتَابِ (٢) وإيضاح ذلك هو أنّ التحالف إنما أوجب الفسخ في البيع؛ لأنه لما تعذّر إثبات دعوى كل واحد منهما بسبب يمين الآخر لزم إخلاء العقد عن البدل والبدل إذا خلا عن البيع يفسد البيع والفاسد يفسخ وأمّا النكاح إذا خلا العوض عنه فلا يفسد كما لو لم يذكر التسمية وإذا لم يفسد النكاح لا يفسخ إذا الفسخ إنما كان بسبب الفساد فافترقا إلى هذا أشار في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ولكن بحكم مهر المثل وهذا استدراك عن قوله: (ولا يفسخ النكاح) في قوله: (وإن لم تكن لهما بيِّنةٌ: تحالفا عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- ولا يُفسَخ النكاح) (٣) [قوله:] (٤) (لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة) أي: بسبب يمين الزوج (ولا الحط عنه) أي: بسبب يمين المرأة ولهذا انعدم [في الوجوه] (٥) أي: التحالف (في الوجوه كلها) (٦) أي: فيما إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو أكثر [منه] (٧) أو كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج أو أقلّ ممّا ادّعته المرأة ففي هذه الوجوه الخمسة كلها يعدم التحالف عند أبي الحسن الكَرْخِيِّ (٨) -رحمه الله-؛ لأنهما اتفقا على أصل التسمية فكانت التسمية صحيحة في أصلها والتسمية الصحيحة تمنع المصير إلى مهر المثل وإذا حلفا تعذر الحكم بالتسمية فصارت التسمية كأن لم تكن فيحكم مهر المثل واحترز بقوله: في الوجوه كلها عن قول أبي بكر الرازي -رحمه الله- (٩) فإنّه لا يقول بالتحالف فيه إلا في وجه واحد وهو ما إذا لم يكن مهر المثل شاهدًا لأحدهما بأن يكون أكثر مما أقرّ به الزوج وأقلّ مما ادّعته المرأة فعنده يتحالفان (١٠).


(١) سبق تخريجه، ص (١٨١).
(٢) يُنْظَر: مختصر القدوري (١/ ٢١٧).
(٣) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦٧).
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٦٥).
(٧) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٨) يُنْظَر: الفتاوى الهندية (١/ ٣١٩).
(٩) الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص، وهو لقب له، ورد بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي، ولم يزل حتى انتهت إليه رئاسة الحنفية، وله من المصنفات: أحكام القرآن، وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، قال الخطيب في حقه: كان إمام أصحاب أبي حَنِيفَةَ في وقته وكان مشهوراً بالزهد، والورع. (ت ٣٧٠ هـ). يُنْظَر: الطبقات السنية (١/ ٤١٢)، الجواهر المضية (١/ ٨٤).
(١٠) يُنْظَر: البحر الرائق (٣/ ١٩٣).