للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإن قال ابتعته من الغائب) أي: وإن قال ذو اليد وهو الْمُدَّعَى عليه: اشتريت هذا العين من الغائب (إلا أنّه لم يعيِّنْه دَرْءًا للحدِّ شفقةً عليه) (١) ووصولاً إلى حقه؛ وذلك لأنّ المدّعي لما لم يسمِّ السّارق كان بمنزلة تعيين صاحب اليد للسّرقة ولو عيّنه كذلك أنه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد وإن اقام ذو اليد البينة على ما ادّعى فهاهنا كذلك؛ وذلك لأنّا إذا جعلناه سارقاً لا تندفع الخصومة عنه ويقضي القاضي بالعين للمدّعي ويسلّم العين إليه فإذا ظهر السّارق بعد ذلك بيقين لا تقطع يده؛ لأنّه إنّما ظهرت سرقته بعد وصول المسروق إلى المالك ولو لم نجعله سارقاً تندفع الخصومة عنه ولا يقضي بالعين للمدّعي فمتى ظهر السّارق بعد ذلك بيقين تقطع يده؛ لأنّه ظهرت سرقته قبل أن تصل العين إلى المالك فكان في جعله سارقاً احتيال لدرء الحدّ إذا لم يتعلّق به عقوبة سوى الضمان، أمّا في السّرقة بخلافه إلى هذا أشار في الذَّخِيرَةِ (٢) والله أعلم.


(١) (وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو استحسانٌ، وقال الاسبيجابي: والصحيحُ الاستحسان، وعليه اعتمد الأئمَّة والمصحِّحون). يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (٥/ ٨٤).
(٢) (وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال الخمسة وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما وإن قال المدعي غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان وقال محمد تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال غصب مني على مالم يسم فاعله ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءا للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر فصال كما إذا قال سرقت بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير بينة لأنهما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى يد ذي اليد من جهته فلم تكن يده خصومة إلا أن يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه لأنه أثبت ببينته كونه أحق بإمساكها) يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ٣٢١) الهداية شرح البداية (٣/ ١٦٨).