للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما حقوق العباد فأنواع منها: القصاص والدية، ومنها الأموال، ومنها الطلاق والعتاق وحق الشفعة، وأما بيان الفرق بين حالة الصحة والمرض: فيجيء بعد هذا إن شاء اللّه تعالى كذا في التحفة (١) وفتاوى قاضي خان وغيرها، قوله: وإنه ملزم أي: وأن الإقرار ملزم على المقر، ما أقرَّ به، وبيان إلزامه، ثابت، بالكتاب، والسنة، والمعنى المعقول، أما الكتاب، فقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: ٢٨٢]. فلو لم يلزم المقر به على المقر بإقراره لم يرجع إلى إملائه ولا نهاه عن الكتمان المستفاد من قوله: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: ٢٨٢]، ألا ترى أن اللّه تعالى لما نهى الشهود عن كتمان الشهادة دل على أن بإظهارها يتعلق حكم لازم فكذلك ههنا وكذلك قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)} [القيامة: ١٤] قال ابن عباس - رضي اللّه عنهما - أي شاهدة بالحق وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء من: ١٣٥]. والمراد به الإقرار وهو أمرٌ مُلزمٌ كإلزام قربته وهو قوله تعالى: {أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: ١٣٥]. فإن الشهادة عليهم أمر ملزم للمشهود به عليهم، فكذا الإقرار وأما السنة فما ذكرها في الكتاب فإن كون الإقرار حجة في الحدود التي تندري بالشبهات كان دليلًا على أنه حجة فيما لا يندري بالشبهات بالطريق الأولى وأما المعنى المعقول فهو: أن المال محبوب المرء (٢) طبعًا فلا يقر لغيره به كاذبًا، وذلك؛ لأن الإقرار في أصله خبر متردد بين الصدق والكذب وكان محتملًا باعتبار ظاهره، والمحتمل لا يكون حجة ولكنه جعل حجة بدليل معقول وهو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على جانب الكذب فيه لأنه غير متَّهم فيما يقر به على نفسه، ففي حق الغير


(١) تحفة الفقهاء: لمحمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي المتوفى: نحو ٤٥٠ هـ. والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة ١٤٠٥ هـ. يُنْظَر الجواهر المضيَّة ٢/ ٥١.
(٢) في (ب): المراء.