للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(إذا كال: أد إليَّ غدًا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل) لم يستعمل صريح لفظ الشرط ولكن فيه معنى الشرط فلذلك سميناه (١) تقييدًا لا تعليقًا وتقييد الإبراء بمعنى الشرط جائز وتعليق الإبراء بالشرط لا يصح. حتى لو قال لغريم أو كفيل إذا أديت إلى خمسمائة أو متى أديت إلى أم إن أديت إلي، فأنت بريء عن الباقي فهو باطل ولا يبرئ عن الباقي، وإن أدى إليه خمسمائة سواء ذكر لفظة الصلح أو لم يذكر؛ لأنه صرح بالتعليق فيبطل كما لو قال: إن دخلت الدار فقد أبرأتك بخلاف مسألتنا فإنها صحت؛ لأنه لم يصرح فيها بالتعليق بل ذاك تقييد فإن قلت: ما المعنى في أن الإبراء لا يصح مع التعليق ويصح مع التقييد وإن كان فيه أيضًا معنى التعليق؟ قلت: المعنى فيه هو أن في الإبراء معنى الإسقاط ومعنى التمليك. أما معنى الإسقاط: فهو: أن الإبراء عبارة عن إزالة حق شرعي له متعلق بالغير وكان (٢) نظير الطلاق والعتاق وكذلك من حيث الحكم فإن الإبراء لا يتوقف صحته إلى القبول كما في الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص. وأما معنى التمليك فيه: فلأن الله تعالى سمى إبراء الدين التصدق في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة من: ٢٨٠] والتصدق عبارة عن تمليك المال. وكذلك من حيث الحكم. فإن (٣) الإبراء يرتد بالرد كما في سائر التمليكات. ثم التمليك المحض فباطل تعليقه بالشرط كما في تعليق البيع والهبة لما فيه من شبهة القمار وأنه حرام، والإسقاط المحض جائز تعليقه من كل وجه كتعليق الطلاق والعتاق ولما كان الإبراء مشابهة بهما جميعًا قلنا: إذا صرح بحرف التعليق لا يصح اعتبار الشبهة بالتمليك، وإذا لم يصرح بحرف التعليق الذي هو عبارة عن: التقييد يصح اعتبار الشبهة


(١) في (ب): سمينا.
(٢) في (ب): فكان.
(٣) في (أ): فلأن.