للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحِمَهُ الله- وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالإجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ -رحِمَهُ الله- وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لأنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ)

-قوله: (والطهر إذا تخلل بين الدمين إلى آخره) «روى محمد عن أبي حنيفة-رحمهما الله-: أن الشرط أن يكون الدم محيطًا بطرفي العشرة، وإذا/ ٢٨/ ب/ كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلاً بين الدمين وإلا كان فاصلاً، وعلى هذه الرواية لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه بالطهر.

قال: لأن الطهر ضد الحيض، ولا يبدأ الشيء بما يضاده ولا يختم به، ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعًا لهما كما قلنا في الزكاة [أن] (١) كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا يضر، وبيان هذا من المسائل مبتدأة لو رأت يومًا دمًا وثمانية طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة كلها دم لإحاطة الدم بطرفي العشرة، ولو رأت يومًا دمًا وتسعةً طهرًا ويومًا دمًا لم يكن شيء منه حيضًا، كذا في «المبسوط» (٢).

-قوله: (وعن أبي يوسف -رحمه الله-) إلى آخره، الأصل عند أبي يوسف (٣) وهو قول أبي حنيفة الآخر: إن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يومًا لا يصير فاصلاً، بل يجعل كالدم المتوالي، ومن أصله أنه يجوز بداية الحيض بالطهر، ويجوز ختمه به بشرط أن يكون قبله وبعده دم، وإن كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر ولا يجوز بدايته، وإن كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا يجوز ختمه به. ومن أصله أنه يجعل زمانًا هو طهر كله حيضًا بإحاطة الدمين به، وحجته في ذلك أن الطهر الذي هو دون خمسة عشر لما يصلح للفصل بين الحيضتين، وكذلك للفصل بين الدمين؛ لأن أقل مدة الطهر الصحيح خمسة عشر يومًا فما دونه فاسد، وبين صفة الصحة والفساد منافاة، [والفساد] (٤) لا يتعلق به أحكام الصحيح شرعًا فكان كالدم المتوالي، وبيانه من المسائل مبتدأة رأت يومًا دمًا وأربعة عشر طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة من أول ما رأت عنده حيض يحكم ببلوغها به، وكذلك إذا رأت يومًا دمًا وتسعة طهرًا ويومًا دمًا، وعند محمد -رحمه الله-: لا يكون شيء منه حيضًا، ويأتي ما هو الأصل عنده.

واحتج [محمد] (٥) في الكتاب فقال: الدم المرئي في اليوم الحادي عشر لما كان استحاضة كان بمنزلة الرعاف، فلو جاز أن يجعل أيام الطهر حيضًا بالدم الذي هو ليس بحيض لجاز بالرعاف، ولأن ذلك الدم ليس بحيض بنفسه فكيف يجعل باعتباره زمان الطهر حيضًا.


(١) في (ب): «لأن».
(٢) المبسوط للسرخسي (٣/ ١٥٦) فصل: الطهر المتخلل بين الدمين.
(٣) انظر: لقول أبي يوسف: في المبسوط للسرخسي (٣/ ١٥٤)، بدائع الصنائع (١/ ٤٠)، المحيط البرهاني (١/ ٢٢٣)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ٢٦).
(٤) في (ب): «والفاسد».
(٥) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).