للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ: وَإِنْ كَانَ بَلَغَ نِصَابَ الْحَيْضِ، اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ، يَعْنِي: فِيمَا إِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ، فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، فَرَأَتِ الدَّمَ؛ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ الثَّانِي، فَكَانَتْ [هِيَ حَامِلًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ الثَّانِي] (١)؛ فَإِنَّهُ نِفَاسٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ -رحمه الله- (٢) عَلَى مَا يَجِيءُ (٣).

وَالنِّفَاسُ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنَ الرَّحِمِ (٤)، كَالْحَيْضَةِ (٥)، فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنَ الدَّمِ، يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّحِمِ؛ وَلِأَنَّهُ نَقُوُلُ: إِنَّ الْحَامِلَ، مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ (٦)، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِمَّا صَغِيرَةٌ، أَوْ آيِسَةٌ (٧)، أَوْ ذَاتِ الْقُرْءِ، والْحَامِلُ، لَيْسَتْ بِصَغِيرَةٍ، وَلَا آيِسَةٍ؛ لِأَنَّ مَا يُنَافِي الْأَقْرَاءَ؛ يُنَافِي الْحَبَلَ، كَالصِّغَرِ، وَالْإِيَاسِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؛ وَقَدْ رَأَتْ مِنَ الدَّمِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا؛ جُعِلَ حَيْضاً (٨).


(١) زيادة من (ب).
(٢) محمد بن الحسن الشيباني: هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، مولاهم، نشأ في الكوفة وتلقى العلم عن الإمام أبي حنيفة أولاً، ثم أتم تلقيه الفقه عن أبي يوسف، وبرع به، ولازم مالكًا مدة، وروى عنه الموطأ، وروى عنه الشافعي فأكثر جدًا، يعود له الفضل في تدوين مسائل الفقه الحنفي، توفي بالري سنة (١٨٩ هـ)
انظر: "تاريخ الإسلام" للذهبي ": (٤/ ٩٥٤)، "سير أعلام النبلاء للذهبي ": (٩/ ١٣٤).
(٣) قال محمد بن الحسن: (النّفاس من الْوَلَد الآخر). ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن الشيباني (١/ ٣٠٩).
(٤) يشير إلي الخلاف في تعريفه، وهذا الوجه هو قول أبي يوسف وقد ذكر صاحب المحيط البرهاني الوجهين وثمرة الخلاف في وجوب الغسل فقال: فوجه قول أبي يوسف الآخر أن النفاس عبارة عن الدم الخارج من الرحم يقال للمرأة إذا رأت الدم عقيب الولد: نفست، فإذا لم ترَ الدم لم تكن نفساء والغسل من حكم النفاس في هذه الصورة. ووجه قول أبي حنيفة -رحمه الله-: أن النفاس مأخوذ من كل واحد مما ذكرنا وكل واحد منهما لا يخلو عن بلّة دم، وأكثر المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة -رحمه الله- وبه كان يفتي الصدر الشهيد -رحمه الله-، وبعضهم أخذوا بقول أبي يوسف -رحمه الله-. ينظر: "المحيط البرهاني" بن مازه (١/ ٢٦٣).
(٥) في (ب): (كالحيض).
(٦) الأقْراءُ: الحِيَضُ، والأَقْراء: الأَطْهار، وَقَدْ أَقْرَأَتِ المرأَةُ، فِي الأَمرين جَمِيعًا، واصله مِنْ دُنُوِّ وقت الشيء. قال الشافعي -رحمه الله-: القَرْء اسْمٌ للوقت فَلَمَّا كان الحيض يجيء لوقت، والطُّهر يَجِيءُ لوقت جاز أن يكون الأَقْراء حِيَضاً وأطهارًا. انظر: الأم للشافعي (٥/ ٢٢٤)، و" لسان العرب لابن منظور " (١/ ١٣١)، وانظر: "غريب الحديث لابن قتيبة" (١/ ٢٠٥).
(٧) الآيسة: هي التي انقطع عنها المحيض لكبرها، فعند المالكية: هي بنت الخمسين إلى السبعين. وهى المشكوك في يأسها. وعند الحنفية: هي التي انقطع رجاؤها عن رؤية الدم. لبلوغها من السن ما لا تحيض مثلها فيه. وهي التي لم تحض في مدة خمس وخمسين سنة. وعند الشافعية: هي التي بلغت اثنين وستين سنة. وهي التي بلغت سنا ييئس فيه نساء عشيرتها. وعند الحنابلة: هي التي بلغت خمسين سنة، فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب. انظر: "القاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب" (ص: ٣٠)
(٨) ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٢٢٢)، وكذلك هو قول: السرخسي في "المبسوط" (٢/ ٢٠)، والكاساني في"بدائع الصنائع" (١/ ٤٢).