للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما (١) إِذَا تُصُوِّرَ وُجُودُهُ مَعَ الْحَبَلِ، لَا يَكُونُ الْحَيْضُ عَلَمًا عَلَى الْبَرَاءَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ وَلِأَنَ الْحَامِلَ لَا تَحْبِلُ، وَمَنْ لَا تَحْبِلُ لَا تَحِيضُ، دَلِيلُهُ: الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ؛ وَلِأنَّا لَوْ جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا؛ أَدَّى إِلَى الْمُحَالِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (٢)، فَإِنَّهَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ، قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَجُعِلَ حَيْضًا، فَوَلَدَتْ أَيْضًا وَرَأَتِ الدَّمَ؛ صَارَتْ نُفَسَاءُ، كَانَ مُوَالَاةً بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْمُوَالَاةُ بَيْنِ دَمَيِ الْحَيْضِ، كَذَا فِي"الْمَبْسُوطَيْنِ" (٣) وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ، فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (٤) وَمُحَمَّدٍ -رحمهما الله- (٥).

وذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (٦) -رحمه الله- فِي "مَبْسُوطِهِ" (٧) أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ، قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُفَ (٨) (٩)، قُلْتُ: وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِالْقِيَاسِ (١٠)، عَلَى مَذْهَبِهِمَا (١١)، فَقَالَ: فَأَمَّا فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إِذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ وَبَقِيَ الْأَكْثَرُ فِيهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ (١٢)؛ حَتَّى قَالُوا: يُحْفَرُ لَهَا حُفَيْرَةٌ، فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ، وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ النُّفَاسَ مَا يَخْرُجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَالْوِلَادَةُ لَا تُوْجَدُ إِلَّا بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ خُرُوجُ الْوَلَدِ، لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الاعْتِبَارِ.


(١) في (ب): (فأما).
(٢) في (ب): (الدم والحيض).
(٣) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (٣/ ١٦٦)، "فوائد القُدُوري" (ص ١٣).
(٤) ينظر: "المبسوط"للسرخسي (٣/ ٢١٣)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٥)،
(٥) يري محمد بن الحسن عدم جواز الموالاة، بين الحيض والنفاس، دون أن يفصلهما طهر، أقله خمسة عشر يوما، فقال: (كل دمين كَانَا فِي النّفاس بَينهمَا أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَذَلِك دم وَاحِد وَهُوَ نِفَاس كُله، وَإِن كَانَ بَينهمَا أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَالْأول نِفَاس وَالْآخر حيض)، وقد قاس ذلك على عدم جواز توالي حيضتان دون أن يفصلهما طهر، وقد أشار إلي هذا القياس بقوله: (لأنَّ أَبَا حنيفَة وَجَمِيع أَصْحَابنَا قد أَجمعُوا على أَن الدَّمين فِي الْحيض الَّذِي بَينهمَا طهر خَمْسَة عشر يَوْمًا دمان مُخْتَلِفَانِ وليسا بِدَم وَاحِد فَلَمَّا قَالُوا ذَلِك فِي الْحيض قُلْنَا نَحن فِي النّفاس أحسن مَا عندنَا فِيهِ)، "المبسوط"لمحمد بن الحسن (١/ ٤٥٥ - ٤٥٧).
(٦) شيخ الإسلام (خواهر زاده): مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف ببكر خواهر زاده، ابْن أخت القَاضِي أبي ثَابت مُحَمَّد بن أَحْمد البُخَارِيّ، قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ إِمَامًا فَاضلا حنفيا وَله طَريقَة حَسَنَة مفيدة جمع فِيهَا من كل فن وَكَانَ يحفظها، مَات ببخارى لَيْلَة الْجُمُعَة في جمادي الأولى في الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ في سنة ٤٨٣ هـ، من تصانيفه التجنيس في الفروع. شرح أدب القاضي لأبي يوسف. شرح الجامع الكبير للشيباني في الفروع. شرح مختصر القُدُوري. الفتاوى. المبسوط في الفروع وغير ذلك. ينظر: " الجواهر المضية في طبقات الحنفية: عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي" (٢/ ٤٩)، و" هدية العارفين للبغدادي" (٢/ ٧٦).
(٧) كتاب "المبسوط في الفروع" لأبي بكر خواهر زاده، ت ٤٨٣ هـ، والكتاب لا يزال مخطوطًا.
(٨) أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجير بن معاوية الأنصاري، ولد بالكوفة سنة ١١٣ هـ، وجده سعدُ بن بجير: صحابي أنصاري، تلقى العلم عن طائفة من التابعين والمحدثين منهم هشام بن عروة، وعطاء بن السائب وتفقه على الإمام أبي حنيفة، وهو أول من لقب قاضي القضاة، انتشر على يديه فقه أبي حنيفة في العراق، توفي ببغداد سنة ١٨٢ هـ انظر: "تاريخ الإسلام للذهبي ": (٤/ ١٠٢١) و"سير أعلام النبلاء للذهبي ": (٨/ ٥٣٥)، "الجواهر المضية في طبقات الحنفية " للقرشي: (٣/ ٦١١)، و"مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن " للحافظ الذهبي.
(٩) ينظر: "فوائد القُدُوري": لأبي بكر خواهر زاده، ت ٤٨٣ هـ، (ص ١٣) وكتاب فوائد القُدُوري: لمُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف ببكر خواهر زاده، المتوفى سنة ٤٨٣ هـ، والكتاب لا يزال مخطوطاً (والنقل من صور ضوئية، والترقيم يحسب من أول ورقة الغلاف).
(١٠) القياس: في اللغة: القياس في اللغة: التقدير والمساواة. وفي الإصطلاح: هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. انظر: "روضة الناظر وجنة المناظر" لابن قدامه المقدسي (٢/ ١٤١).
(١١) قوله: (قلت: وهوَ الأرفق بالقياسِ على مذهبهما)، ساقط من (ب).
(١٢) (الصلاة): ساقطة من (ب).