للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قُلْتَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ، بِدَلَالَةِ النَّصِّ، كَالْحُكْمِ الثَّابِتِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ (١)، فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ قَطْعًا؛ حَتَّى تَثْبُتَ (٢) الْحُدُودُ، وَالْكَفَّارَاتُ، بِدَلَالَاتِ النُّصُوصِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ؛ مُعَارَضَةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، لِعِبَارَةِ (٣) الْكِتَابِ؛ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، مُعَارَضَتُهُ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ، قُلْتُ: نَعَمْ، كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ الصَّعِيدِ؛ ثَبَتَ [بِالْآيَةِ] (٤)؛ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهَا الْخُصُوصُ، فَبَقِيَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا كَانَتْ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ابْتِدَاءً بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وأما اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ؛ ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ؛ الَّتِي دَخَلَهَا الْخُصُوصُ (٥)، لِأَنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ، مَخْصُوصٌ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ، وَمَا دُونَهُ مَخْصُوصٌ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا، فَجَازَ تَخْصِيصُهُ [بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، كَذَا أَفَادَ شَيْخِي -رحمه الله- وَلَكِنَّ الْفَرْقَ الصَّحِيحَ بَيْنَهُمَا، أَيْ بَيْنَ عَدَمِ] (٦) جَوَازِ التَّيَمُّمِ (٧) بِالْأَرْضِ؛ الَّتِي أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ، فَجَفَّتْ، وَذَهَبَ (٨) أَثَرُهَا، [لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا] (٩) وَبَيْنَ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- فِي "مَبْسُوطِهِ" (١٠) هُوَ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْأَرْضِ؛ مَتَى أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ، رَطْبَةٌ، يُنَشَّفُ بَعْضُهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَيَدْخُلُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي بَاطِنِهَا، وَيَبْقَى الْبَعْضُ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَتُحْرِقُهَا الشَّمْسُ، وَتَسْفِيهَا (١١) الرِّيحُ، [وَمَا تُنَشِّفُهَا الرِّيحُ] (١٢) يَذْهَبُ عَنْهَا، وَمَا دَخَلَ (١٣) تَحْتَ الْأَرْضِ، يَبْقَى (١٤)، فَتَقِلُّ (١٥) النَّجَاسَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (١٦)، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ فِي الطَّهُورِ يَمْنَعُ التَّطَهُرُ (١٧) بِهِ، فَلَا (١٨) يَمْنَعُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ، كَقَطْرَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِي الْمَاءِ، يَمْنَعُ التَّوَضُّئَ بِهِ، وَلَوْ أَصَابَتْ ثَوْبَهُ، يَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ، إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، إِلَّا أَنَّهُمْ؛ جَعَلُوا الْحَدَّ الْفَاصِلَ، بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، بَقَاءَ الْأَثَرِ، وَذَهَابَ الْأَثَرِ.


(١) زاد في (ب): (فجاز أن يعارضه ما ثبت).
(٢) في (ب): (يثبت).
(٣) في (ب): (بعبارة).
(٤) وفي (أ): (ثبت بالعبارة).
(٥) طهارة المكان ثبتت بدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدَّثر: ٤]، وإنما جاز تخصيص الآية لكونها ظنية الدلالة، فقد اختلف المفسرون في تفسيرها، فقيل: المراد به تطهير الثوب، وقيل: تقصيره للمنع عن التكبر والخيلاء، فإن العرب كانوا يجرون أذيالهم تكبرا، وقيل المراد تطهير النفوس عن المعائب. والأخلاق الرديئة، فلما كانت ظنية الدلالة جاز تخصيصها بخبر الواحد. ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٠٠ وما بعدها)، و" البناية شرح الهداية للعيني " (١/ ٧٢٣) بتصرف.
(٦) زيادة من هامش (أ): وهي مثبته في (ب): ما عدا قوله: (أي بين عدم).
(٧) (جواز التيمم)، ساقطة من (ب)
(٨) في (ب): (وذهبت).
(٩) زيادة من (ب).
(١٠) ينظر: "فوائد القُدُوري" (ص ١٤).
(١١) في (ب): (وتنشفها).
(١٢) زيادة من (ب).
(١٣) (وما دخل)، سقط من (ب)
(١٤) في (ب): (تبقى).
(١٥) في (ب): (فيقل).
(١٦) قال السرخسي بمثل ما قاله شيخ الإسلام. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٢٠٥).
(١٧) (التطهير)، ساقطة من (ب).
(١٨) في (ب): (ولا).