للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَجْهُ قَوْلِ (١) أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ (٢) أَيْضًا فِي تَخْفِيفِ نَجَاسَةِ الرَّوْثِ، أَنَّ فِي الْأَرْوَاثِ بَلْوًى، وَضَرُورَةٌ (٣) خُصُوصًا لِسَايِسِ (٤) الدَّوَابِّ، وَلِلْبَلْوَى تَأْثِيرٌ فِي تَخْفِيفِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي إِسْقَاطِ النَّجَاسَةِ، كَمَا فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، إِلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْأَرْوَاثِ، دُونَ الضَّرُورَةِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، فَأَوْجَبْنَا التَّخْفِيفَ دُونَ الْإِسْقَاطِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" (٥).

قُلْتُ: فَبِهَذَا يُعْلَمُ ضَعْفُ تَخْصِيصِ (٦) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَضَعْفُ تَخْصِيصٍ (٧)، فَكَانَ الاخْتِلَافُ فِي النَّجَاسَةِ، فِي إِثْبَاتِ التَّخْفِيفِ، لِمَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا كِلَيْهِمَا يَقُولَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ أَيْضًا: يَكُونُ بِثُبُوتِ التَّخْفِيفِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى (٨)، كَمَا يَقُولَانِ: بِسَوْغِ الاجْتِهَادِ، وَلِكِنَّهُ تَدَارَكَهُ آخِرًا.

بِقَوْلِهِ: (وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) إِلَى آخِرِهِ (٩).

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١٠) -رحمه الله-: الرَّوْثُ مَنْصُوصٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ (١١)، فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- (١٢) وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- طَلَبَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَحْجَارَ الاسْتِنْجَاءِ (١٣) لَيْلَةَ الْجِنِّ (١٤)، فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ (١٥) وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَرَمَى بِالرَّوْثَةِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا رِكْسٌ» (١٦) أَيْ نَجَسٌ. وَلَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرَ فَتَتَغَلَّظُ (١٧) نَجَاسَتُهُ (١٨).


(١) (قول)، ساقطة من (ب).
(٢) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٦١).
(٣) (وضرورة)، ساقطة من (ب).
(٤) في (ب): (لاستناس).
(٥) ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٤)
(٦) (تخصيص)، ساقطة من (ب). والأصح هو حذفها ليستقيم المعنى.
(٧) في (ب): (تخصيصه).
(٨) في (ب): (يكون التخفيف بعموم البلوى).
(٩) من قوله: (تداركه). إلى آخره، ساقطة من (ب)
(١٠) في (ب): (يقول).
(١١) اختلف أهل العلم في طهارة روث مأكول اللحم: فيرى الأحناف والشافعية وهو قول عند الحنابلة أن بول وروث مأكول اللحم أنه نجس مطلقًا وأما المالكية والحنابلة فيرون طهارته مطلقًا وهو الراجح.
(١٢) ابن مسعود -رضي الله عنه-: هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من أكابرهم، فضلًا وعقلًا، وقربًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. وكان خادم رسول الله الأمين، وصاحب سره، ورفيقه في حله وترحاله وغزواته، قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما، فمات بها سنة ٣٢ هـ ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستين سنة.
انظر: " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر " (٤/ ١٩٩)، "صفة الصفوة لإبن الجوزي " (١/ ١٤٩).
(١٣) في (ب): (أحجارًا للاستنجاء).
(١٤) ليلة الجن: هي الليلة التي جاءت الجن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذهبوا به إلى قومهم ليتعلموا منه الدين. انظر "شرح المشكاة "للطيبي (٣/ ٨٣١).
(١٥) في (ب): (بالحجرين).
(١٦) أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٩٤) كتاب "الوضوء"، باب "لا يستتجي بروث" حديث رقم (١٥٥)
(١٧) في (ب): (فيتلفظ).
(١٨) ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ٦٥). ووجه الاستدلال فيه نظر: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى أن نستنجي بالروث لأنه علف دواب إخواننا من الجن، ولكي لا ننجسه عليهم، ثم لو كان نجسًا لم يصلح أن يكون علفًا لقوم مؤمنين.