للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث سَعْد أيضًا: بطلان ذلك التأويل، حيث قال: «فإنَّ سَعْدًا عَرَضَ بيتًا له على جارٍ له؛ فذلك [ذلك] (١) على أنَّ جميع البيت كان له.

ولأنَّ الزوجة تُسَمَّى جارة؛ لأنها تُجَاوره في الفراش، فتقرب منه، لا لأنها تشاركه (٢).

وأما استدلاله (٣) بكلمة: «إنما» وحرف (٤) الاستغراق، ففيه بيان أن للشريك شفعة، وتخصيص الشيء بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه.

ولأن كلمة: «إنما» قد تجيء للإثبات بطريق الكمال، كما يقال: إنما العالم في البلد زيد، أي: الكامل فيه. والمشهور: [به زيدٌ، ولم يُرد به نَفْي العلم عن غيرِه، وهاهنا كذلك، فإن الشريك الذي لم يُقاسم هو] (٥) الشريك في البقعة هو كامل في سبب استحقاق الشفعة حتى لا يُزَاحمه غيرُه، فكان محمولاً على إثبات المذكور بطريق الكمال، دون نفي غيره؛ بدليل سياق الحديث، فإنه قال في آخره: «فإذا وقعت الحدود لم تُصرف الطريق (٦) بأن كان الطريق واحدًا [أن] (٧) تجب الشفعة» (٨).

وعند الشافعي- رحمه الله- (٩) لا تجب هناك، فكان آخر الحديث حُجَّة لنا نصًّا.

أما معنى هذا اللفظ فلا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطريق (١٠)، فكان الموضع موضع إشكال؛ لأنَّ في القسمة معنى المبادلة.

ومما يُشْكِل أنَّه: هل تُستحق بها الشفعة؟ فبَيَّنَ رسولُ الله -عليه السلام- أنَّه لا تُستحق الشفعة بالقِسمة.

ولا يلزم الجار المقابل؛ لأنَّ الضرر هناك ليس بسبب اتصال الملك، فلا يستحق دفعه لحق (١١) الملك، فإنَّ الشفعة حقُّ الملك، فيستحق به دفع ضرر يلحقه بسبب اتصال الملك.

ولأن الأخذ بالشفعة لما كان بحق الملك صار فرعًا من فروعه، فلا يكون إلا لمن له الاتصال به ملكًا على الدوام.

وهذا؛ لأنَّ المقصودَ دفعُ ضرر التأذي بسوء المجاورة على الدوام، فلهذا لا يَثبت لجار السكة (١٢)؛ كالمستأجر والمستعير؛ لأنَّ جواره ليس بمستدام.

ولأن الملك الحادث بالإجارة ملكُ مَنفعة، ولا اتصال بين ملك الجار وبين (١٣) منفعة دار جاره، فلا تثبت الشفعة له. كذا في «المبسوط» (١٤)، و «الأسرار» (١٥)، وغيرهما- اعتبارًا (١٦) بمورد الشرع، وهو الخليط في نفس المبيع.


(١) ساقطة من: (ع).
(٢) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩١.
(٣) في (ع): «الاستدلال».
(٤) في (ع): «وحروف».
(٥) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٦) في (ع): «الطرق».
(٧) ساقطة من: (ع).
(٨) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٥، العناية: ٩/ ٣٧٤.
(٩) ينظر: المجموع شرح المهذب: ١٤/ ٣٠٠.
(١٠) في (ع): «الطرق».
(١١) في (ع): «بحق».
(١٢) في (ع): «السكنى».
(١٣) في (ع): «وهي».
(١٤) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١٨٠.
(١٥) ينظر: البناية: ١١/ ٢٨٢، العناية: ٩/ ٣٧٣.
(١٦) الظاهر أنها في (ع): «اعتذارًا».