للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنه رُوي عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «إنما الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرفت الطرق فلا شُفعة» (١).

وكلمة «إنما» لإثبات المذكور، ونَفْي ما عَدَاه.

ولأنَّ قوله -عليه السلام-: «الشفعة فيما لا يقسم» يَقتضي: أنَّ جنس الشفعة فيما لم يُقَسَّم، ولأنه نَصَّ على النفي عما قُسِّم.

ولأن تعليلكم لاستحقاق الشفعة بالجوار لسبب دفع الضرر (٢) الجِوَار، إذ هو مادة المضار على ما زعمتم منقوض بالجار المقابل حيث لا يَثبت له الشفعة بالاتفاق مع/ وجود هذه العلة، وكذلك منقوض أيضًا بالجار الملاصق بطريق الإجارة مع وجود هذه العلة ما جوابنا عنه؟

قلت: أمَّا الأول ففي حمل اسم الجار على الشريك ترك الحقيقة والعمل بالمجاز من غير دليل، بل (٣) دلَّ الدليلُ على بطلان الحمل على الشريك؛ لأنه قال في ذلك الحديث الذي روينا، وهو حديث عبد الملك بن أبي سليمان (٤): «الجار أَحَقُّ بسقبه» (٥)، إلى أن قال: «إذا كان طريقهما واحدًا، فلا وجه لحمل الحديث على الشريك؛ لأنه قال: إذا كان طريقهما واحدًا، وإذا حمل على الشريك كان هذا لغوًا، وإنما كان مُفيدًا إذا كان المراد جارًا هو شريك في الطريق» (٦).

وكان الإمامُ شمسُ الأئمة الحُلواني -رحمه الله (٧) - يقول: «العجب منهم؛ يزعمون أنهم أصحاب الحديث، ثم يتركون العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته وصحته، فلا يَبقى بعد هذا اللقب معنى سوى أنهم أَحْدَثُوا تَرْكَ العمل بالحديث؛ فلأجله سُمُّوا: أصحاب الحديث لا لِعلمهم بالحديث» (٨).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: ٣/ ٧٩، كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، رقم الحديث: ٢٢١٣.
(٢) في (ع): «ضرر».
(٣) في (ع): «بأن».
(٤) هو عبد الملك بن أبي سليمان، واسم أبيه ميسرة العرزومي الكوفي، أحد الحفاظ، روى عن: أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة، وعنه: جرير بن عبد الحميد، وحفص بن غياث، وإسحاق الأزرق، ويحيى القطان، وابن نمير، وعبد الرزاق، وخلق سواهم. ينظر: تاريخ الإسلام: ٣/ ٩١٨، سير أعلام النبلاء: ٦/ ١٠٧.
(٥) سبق تخريجه، ينظر: ص ١٠٢.
(٦) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٢.
(٧) هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحُلواني الملقب شمس الأئمة، ومن تصانيفه: المبسوط، توفي سنة ٤٤٨ هـ أو ٤٤٩ هـ. ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٣١٨، تاج التراجم: ص ١٨٩.
(٨) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٢.