للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو أسقط بعضُهم حقَّه فهي للباقين في الكل على عددهم.

اعلم أنَّ الشفعاء إذا اجتمعوا في دار واحدة مثلاً؛ فحق كل واحد منهم قبل الاستيفاء والقضاء ثابت في جميع الدار؛ لتكامل العلة في حق كل واحد منهم، حتى أنه إذا كان للدار شفيعان سلم أحدهما الشفعة قبل الأخذ وقبل القضاء، كان للآخر أن يأخذ الكل؛ لأن قبل الاستيفاء والقضاء وُجد في حق كل واحد منهم سبب ثبوت حق الشفعة في كل الدار، وأمكن الجمع بينهما؛ لأن الجمع بينهما ليس إلا الجمع بين الحقَّين في عين واحدة كملا لفائدة، وهي أن أحدهما متى ترك أخذ الآخر الكل، وهذا جائز، كما لو رهن داره من رجلين فإنه يَصير راهنًا كل العين من كل واحد منهما بجميع دينه حتى لو قضى دين أحدهما كان للآخر أن يحبس الكل بدينه إلا أنهما إذا طلبا قضى القاضي لكل واحد منهما بالنصف للمزاحمة وللضيق في المحل، فإذا سلم أحدهما قبل القضاء بقي الآخر في الكل، كما لو قَتَلَ الرَّجلين عمدًا؛ فعفى عنه أحدهما كان للآخر أن يقتص منه بهذا المعنى.

ثم لو سلم أحدهما لم يكن للآخر إلا أن يأخذها كلها أو يدعها؛ لأن مزاحمة المسلم قد زالت، فكأنه لم يكن الشفيع في الابتداء إلا واحدًا، وليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض لما في أخذ البعض من تفريق الصفقة والإضرار بالمشتري في تبعيض الملك عليه، والشفع (١) بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه، فلا يتمكن من الأخذ على وجهٍ يكون فيه إلحاق الضرر بغيره، وإذا أراد أن يأخذ الشفيع [بالأخذ بدفع الضرر عن نفسه فلا يتمكن من الأخذ على وجه يكون فيه إلحاق إلى] (٢) النصف، ورضي المشتري بذلك كله (٣) ذلك؛ لأن المانع حق المشتري، فإن قال المشتري: لا أعطيك إلا النصف، كان له أن يأخذ الكل؛ لأن حقه ثابت في جميع الدار.

فأكثر (٤) ما في الباب أن الغائب قد سلم له منفعته، فللحاضر أن يأخذ الكل. كذا ذكر في باب (الشهادة في الشفعة) من شفعة «المبسوط» (٥).

ثم حق كل واحد من الشفيعين ثابت في جميع/ المبيع لما ذكرنا، وعند التسليم بقي حق الآخر في الكل لذلك، وهذا الذي ذكرنا قبل القضاء [له] (٦) بالنصف.

[وأما بعد القضاء، فليس للمسلَّم له الشفعة إلا ما هو نصيبه، وهو النصف] (٧)؛ فإنه إذا كان للدار شفيعًا (٨)، وقضى القاضي بالدار بينهما، ثم سلم أحدهما نصيبه لم يكن للآخر أن يأخذ الجميع، وهذا لأن القاضي لما قضى بالدار بينهما صار كل واحد منهما مقضيًّا عليه من جهة صاحبه فيما قضى به لصاحبه، فبطل شفعته فيما قضى به لصاحبه ضرورة، هذا الذي ذكره عند استواء الشفعاء في سبب الشفعة (٩).


(١) في (ع): «والشفيع».
(٢) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٣) في (ع): «فله».
(٤) في (ع): «و».
(٥) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١٢٦.
(٦) زيادة من: (ع).
(٧) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٨) في (ع): «شفيعان».
(٩) ينظر: بدائع الصنائع: ٥/ ٥، المحيط البرهاني: ٧/ ٢٨٠، العناية: ٩/ ٣٧٩.