للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أما مسألة الغنيمة فإن تفضيل الفارس بفرسه حُكمٌ عُرِف شرعًا بخلاف القياس، مع أن الفرس بانفراده لا يصلح علة الاستحقاق؛ فيصلح (١) مرجحًا في استحقاق بعض الغنيمة، وهاهنا ملك حر وعلة (٢) كاملة لاستحقاق الجميع، [فلا تصلح مرجحة] (٣) لما ذكرنا: أن العلة لا تصلح مرجحة، ولأن الإصابة بالقهر سبب ملك الغنيمة، ولكن في المصاب والمقهور، والمصاب يتفاوت بتفاوت الإصابة، فلذلك تفاوتوا في القدر؛ [كالجرح سبب ضمان المجروح؛ فلو رمى رجلان فأصاب أحدهما رجلاً والآخر ذلك الرجل، وآخر معه تفاوتوا في الضمان؛ لتفاوتهما في الجرح والمجروح] (٤).

وأما هاهنا فالمحل هو المبيع، قَلَّ أو كثر، وكل نصيب -وإن قَلَّ- علة لاستحقاق (٥) كله، لا يزداد المحل بازدياد النصيب؛ كالجروح في شخص واحد، فكل جرح علة تامة فلغى زيادة الجرح في إضافة الحكم إليها.

وأما مسألة الميراث: فإنَّا عَلَّلنا لإلغاء علة ينضم إلى علة لحكم واحد في إيجاب زيادة، والأخ ما استحق زيادة علة انضمت إلى علة أخرى فلم يكن ذلك من هذا الجنس، ولكن تفاوت نصيب الأخ والأخت عند الانضمام باعتبار أن الشرع جعل عصوبة الأنثى بالذكر [علة] (٦) لاستحقاق نصف ما للذكر متفاوتًا؛ لتفاوتهما في نفس العلة، لا أن تكون [العلة] (٧) مرجحة لعلة (٨) أخرى، بل العصوبة بالأخ غير العصوبة بالبنت؛ فإذا جاءت العصوبة بالأخ زالت العصوبة بالبنت، ثم العصوبة بالأخ متفاوتة في نفسها بالشرع، فلم يكن هو من قبيل ترجيح العلة بعلة أخرى.

وأمَّا مسألة الحائط المائل فقلنا: إن مات من وقع عليه الحائط، فإن جرحه الحائط فالضمان عليهما نصفين لاستوائهما في العلة، وإن مات بنقل (٩) الحائط فالضمان عليهما أثلاثًا؛ لأن التساوي بينهما في العلة لم يوجد، فإن قتل نصيب صاحب القليل لا يكون كقتل [نصيب] (١٠) صاحب الكثير، ولأن هذا راجع إلى ما يتولد من الملك؛ كالولد والثمرة.

وقد ذكرنا أن الشفعة ليست من ثمرات الملك؛ لأن ملك دار غيره لا يجوز أن يجعل ثمرة من ثمرات ملكه، بل السبب أصل الملك، لا قَدْره، والحكم لا يزداد بزيادة العلة، كذا في «المبسوط» (١١)، و «الأسرار» (١٢)، و «الإيضاح» (١٣).


(١) في (ع): «لا يصلح».
(٢) في (ع): «ملك كل جزء علة».
(٣) في (ع): «فالمرجح».
(٤) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٥) في (ع): «لعلة الاستحقاق».
(٦) زيادة من: (ع).
(٧) ساقطة من: (ع).
(٨) في (ع): «بعلة».
(٩) قد تكون «بثقل».
(١٠) زيادة من: (ع).
(١١) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٨.
(١٢) ينظر: البناية: ١١/ ٢٩٤.
(١٣) ينظر: المصدر السابق: ١١/ ٢٩٤.