للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأصل المسألة في البيوع، فإن المذهب عندنا أن الثمن مقابلة الأصل دون الأوصاف حتى إن فوات الوصف في يد البائع من غير صنع أحد لا يسقط شيئًا من الثمن.

وعند الشافعي يسقط في أحد القولين (١).

وكذلك فوات الوصف في يد المشتري من غير صنع أحد لا يمنعه من البيع مرابحة على جميع الثمن عندنا.

وعند الشافعي يمنعه من ذلك (٢).

بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته، فالتقييد بالنصف لا لإخراج غيره عن هذا الحكم، بل اتبع فيه بوضع «المبسوط»، ثم ذكر في «المبسوط» (٣) بأن الحكم في الثلث وغيره كذلك. وقال فيه: «وإذا اشترى دارًا فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجري فيه الماء لا يستطاع رد ذلك عنها، وللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن إن شاء؛ لأن حقه ثابت في الكل، وقد تمكن من أخذ البعض، فيأخذه من حصته من الثمن اعتبارًا للنقض بالكل (٤).

والشافعي في كتابه يدعي المناقضة علينا بهذا الفصل، ويقول: إنهم زعموا إذا احترق البناء لم يسقط شيء من الثمن عن الشفيع، فإذا غرق بعض الأرض سقط حصته من الثمن، فكأنهم اعتبروا فضل الماء دون النار (٥).

وإنما قال ذلك لقلة الفقه/ والتأمل، فإن البناء وصف وتبع، وليس بمقابلة الوصف شيء من الثمن إذا فات من غير صنع أحد، فأما نقص الأرض فليس ببيع للأرض، فلابد من إسقاط حصة ما عرف من الثمن عن الشفيع، أو يتأخر ذلك إلى أن يتمكن من أخذه والانتفاع به.

ولهذا قلنا في حق احتراق البناء من غير صنع أحد: لا يسقط شيء من الثمن أيضًا لما قلنا؛ لأن البناء وصف وتبع، بخلاف الأرض، فإنها أصل.

ثم قال: فإن قال المشتري: ذهب منها الثلث، أي: ثلث الأرض بالغرق، وقال الشفيع: ذهب النصف. فالقول قول المشتري، ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن إن شاء، وكذلك لو استحق رجل بعضها، وسلم الشفعة فطلبها الجار بالشفعة أخذ ما بقي بحصته من الثمن، والقول قول المشتري في مقدار المستحق من الباقي؛ لأن الشفيع يدعي حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشتري.

وإن نقض المشتري البناء، أي: البناء الذي كان بناه البائع، وليس للشفيع أن يأخذ النقض؛ لأنه قد زايل الأرض، وهو نفسه منقول لا يستحق بالشفعة، وإنما كان ثبوت حقه فيه لاتصاله بالأرض، فإذا زال ذلك لم يكن في البناء حق، ولم يذكر في الكتاب ما إذا هدمه أجنبي، وجعل في «المبسوط» (٦) حكم هدم الأجنبي، وحكم هدم المشتري سواء، فقال بعدما ذكر حكم هدم المشتري بأنه يقسم الثمن على قيمة الأرض، وقيمة البناء يوم وقع الشرى؛ فيأخذ الأرض بحصتها من الثمن، قال (٧): وكذلك لو استهلكه أجنبي، وأخذ منه المشتري قيمته، فإن سلامة بدل البناء للمشتري بمنزلة سلامة البناء للمشتري لو هدمه، وما كان مركبًا فيه كالأبواب والسرر المركبة على ما عرف في ولد المبيع، يعني: أن الجارية المبيعة ولدت ولدًا قبل قبض المشتري يسري حكم البيع إلى الولد حتى يكون الولد ملك المشتري أيضًا كأمه، لا يأخذ الثمن في الفصلين، أي: في فصل ما إذا كان في النخيل ثمر حين وقع الشرى، ثم هذه للمشتري، وفي فصل ما إذا لم يكن في النخيل ثمر وقع الشرى على الأرض والنخيل، ثم أثمر النخيل، ثم جزَّ المشتري، ثم جاء الشفيع لم يبق للشفيع حق في الثمن في الفصلين؛ لأنه لم يبق بيعًا؛ لأن بيعته إنما كانت بالاتصال بالنخيل، ولم يبق متصلاً، قال في الكتاب أي: في «مختصر القُدوري» (٨)، وهذا جواب الفصل الأول، وهو ما إذا ابتاع أرضًا وعلى نخلها ثمر، أما في الفصل الثاني وهو ما إذا ابتاعها وليس في النخيل ثمر، وهذا الذي ذكره كله] (٩) هو جواب ظاهر الرواية خلافًا لأبي يوسف في قوله الأول؛ لأنه ذكر في باب الشفعة في الأرضين والأنهار من شفعة «المبسوط» (١٠).


(١) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١١٢.
(٢) ينظر: المصدر السابق: ١٤/ ١١٢.
(٣) ينظر: البناية: ١١/ ٣٤١.
(٤) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١١٥.
(٥) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١١٥.
(٦) ينظر: المصدر السابق: ١٤/ ١١٢.
(٧) ينظر: المصدر السابق: ١٤/ ١١٢.
(٨) ينظر: البناية: ١١/ ٣٤٤.
(٩) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(١٠) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١٣٤.