للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك لو لم يشترط له من/ الأرض شيئًا، ولكنه قال: على أن [لك] (١) عليَّ مائة درهم، أو شرط عليه كر حنطة، فالعقد فاسد.

وفي تخريجها أي: وفي تخريج جواب هذه المسألة، وهو قوله: (ومن دفع أرضًا بيضاء) إلى قوله: (لم يجز ذلك طريق آخر)، أي دليل آخر في جواب هذه المسألة بأن هذا العقد لا يجوز سوى ما ذكرناه من الدليل، والذي ذكرناه من الطريق طريق قفيز الطحان، فكان سلوكًا لطريق الاستئجار ببعض ما يخرج من عمله، وهو أن يكون نصف البستان للعامل، فكان بمنزلة طحن الطحان للحنطة بقفيز الدقيق الذي حصل من طحن تلك الحنطة، وهو فاسد، وهذا الطريق هو الأصح، وأما الطريق الآخر الذي أحال على كفاية المنتهي (٢) في تخريج جواب هذه المسألة بأنه لا يجوز فهو طريق شرى رب الأرض نصف الغراس من العامل بمقابلة نصف الأرض، أو شراء جميع الغراس بمقابلة نصف الأرض ونصف الخارج، فكان عدم جواز هذا العقد هناك لجهالة الغراس نصفها أو جميعها؛ لأن (٣) اعتبار معنى الاستئجار الذي هو في معنى قفيز الطحان.

وذكر الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي بيان هذا في باب الإجارة الفاسدة من إجارات المبسوط فقال: «ومن دفع أرضًا إلى رجل يغرس فيها شجرًا على أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك؛ لأنه يكون مشتريًا نصف الغرس منه بنصف الأرض، والغراس مجهولة فلا يجوز ذلك، هكذا ذكره بعض مشايخنا (٤).

وأما الحكم في «المختصر» فنقول (٥): تأويل المسألة عندي: أنه جعل نصف الأرض عوضًا عن جميع الغرس، ونصف الخارج عوضًا عن العمل، فعلى هذا الطريق نقول: اشترى العامل نصف الأرض بجميع الغراس وهي مجهولة، فكان العقد فاسدًا، فإن فعل فالشجر لرب الأرض؛ لأن العقد في الشجر كان فاسدًا، وقد زرعه [بأمره في أرضه] (٦)، وكان صاحب الأرض فعل ذلك بنفسه [فيصير] (٧) قابضًا للغرس باتصاله بأرضه مستهلكًا بالعلوق، فيجب عليه قيمة الشجر وأجر ما عمل؛ لأنه انتفى من عمله عوضًا، وهو نصف الخارج، ولم ينكر (٨) ذلك، فكان عليه أجر مثله، ثم قال بعده بخطوط قال -رضي الله عنه-: والأصح عندي أن يقال في تعليل هذه المسألة: إن صاحب الأرض استأجره ليجعل أرضه بستانًا بآلات [على] (٩) نفسه على أن يكون أجره بعض ما يحصل بعمله وهو نصف البستان، فهو كما لو استأجر صباغًا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ، وذلك فاسد؛ لأنه في معنى قفيز الطحان الذي نهى رسول الله -عليه السلام- عنه، وهذا لأن الغراس آلة تجعل الأرض بها بستانًا كالصبغ للثوب، فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة (١٠) بملك صاحب الأرض، وهي متقومة فيلزمه قيمتها، كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه إلا أن الغراس أعيان يقوم بنفسها فلا يدخل أجر العمل في قيمتها، فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله؛ لأنه ابتغى عن عمله عوضًا، ولم يسلم [له] (١١) فيستوجب أجر مثل (١٢)، ثم ذكر هذه المسألة في مزارعة «المبسوط»، فقال بعد ذكر صورة المسألة (١٣): «فجميع الثمر والغرس لرب الأرض وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل»، ثم قال (١٤): وقد بينا في المسألة طريقين لمشايخنا في كتاب (الإجارات): أحدهما أنه اشترى منه نصف الغرس بنصف الأرض. والآخر: أنه اشترى منه جميع الغرس بنصف الأرض، والأصح أنه استأجر ليجعل أرضه بستانًا بآلات نفسه على أن يكون أجره نصف البستان الذي يظهر بعمله وآلاته، وذلك في معنى قفيز الطحان فيكون فاسدًا.


(١) ساقطة من: (ع).
(٢) هو: كفاية المنتهي في شرح بداية المبتدي، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل، الإمام برهان الدين الفرغاني المرغيناني الفقيه الحنفي (تـ ٥٩٣ هـ). ينظر: هدية العارفين: ١/ ٧٠٢.
(٣) في (ع): «لا».
(٤) ينظر: المبسوط: ١٦/ ٣٤.
(٥) ينظر: المبسوط: ١٦/ ٣٤، حاشية ابن عابدين: ٦/ ٢٨٩.
(٦) في (ع): «في أرضه بأمره».
(٧) ساقطة من: (ع).
(٨) في (ع): «يل».
(٩) ساقطة من: (ع).
(١٠) في (ع): «متعلقة».
(١١) ساقطة من: (ع).
(١٢) في (ع): «المثل».
(١٣) ينظر: المبسوط: ٢٣/ ١٠٥.
(١٤) ينظر: المصدر السابق: ٢٣/ ١٠٥.