للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدليل عليه: أنه تحل ذبائح اليهود والنصارى فلو كانت التسمية شرطًا لما حل ذبائحهم؛ لأنهم وإن ذكروا اسم الله تعالى، فإنما يريدون غير الله، وهو ما يعتقدونه معبودًا؛ لأن النصارى يقولون: المسيح ابن الله، ونحن نتبرأ من إلهٍ له ولدٌ.

قلت: أما حديث عائشة -رضي الله عنها-، فدليلنا: لأنها/ سألت عن الأكل عند وقوع الشك في التسمية، فذلك دليل على أنه كان معروفًا عندهم أن التسمية من شرائط الحل، وإنما أمرها بالأكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدًا، كمن يشترى لحمًا في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر [أن المسلم لا يدع التسمية عمدًا، كمن اشترى لحمًا في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر] (١)، وإن كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي، وما ذكره من الفرق بين المأمور والمزجور غير معتبر؛ لأن الأكل في الصلاة مزجور، ثم سوى فيه النسيان [والعمد، والجماع في الإحرام كذلك، ولكن متى اقترن بحالة ما يذكره؛ كهيئة المحرمين والمصلين، ولا يعذر بالنسيان] (٢)، ومتى لم يقترن بحالة ما يذكره يعذر بالنسيان، كما في الصوم، وهاهنا لم يقترن بحالة ما يذكره، وقد يذبح الإنسان الطير، وقلبه مشغول بشغل آخر، فيترك التسمية ناسيًا، وعليه يحمل الحديث أنه ذابح على اسم الله تعالى إذا كان ناسيًا غير معرض بدليل أنه [ذكر] (٣) في بعض الروايات، وإن تعمد لم يحل، وهذا لأن الملة إنما أقيمت مقام التسمية بالحديث، والحديث ورد فيمن ذبح وترك التسمية ناسيًا، فيقوم الملة مقامها في الناسي، وليس العامد بمنزلته، فلا يثبت حكم النص استدلالاً به، وإنما قلنا: إنه ليس بمنزلته؛ لأن المسلم يذبح على اسم الله تعالى، فإنه شرط، وقد اعتقده فإذا نسي لم يوجد منه قصد الترك، فبقيت الحالة الأصلية معتبرة له حكمًا، فأما إذا تعمد الترك والإعراض والرد فلم يمكن إبقاؤها مع تحقيق ما يردها منه حقيقة، كالضيف إذا قدم إليه طعام حَلَّ أكلُه بغير إذن لدلالة الحال.

ولو قيل له: لا تأكل؛ لا يحل له.

وحجتنا في ذلك: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (٤)، ومطلق النهي يقتضي التحريم، وأكد ذلك بحرف (من) في موضع النهي للمبالغة، فيقتضي حرمة كل جزء منه.


(١) زيادة من: (ع).
(٢) ساقطة من: (ع).
(٣) ساقطة من: (ع).
(٤) سورة الأنعام، من الآية: ١٢١.