للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالشافعي يقول (١): إذا قطع الحلقوم والمريء حل، وإن لم يقطع الودجين؛ لأنه لا بقاء بعد قطع الحلقوم والمريء، لكن هذا فاسد؛ لأن المقصود تسييل الدم المتنجس (٢)، وبدون حصول المقصود لا يثبت الحل.

وقوله: (أما الحلقوم يخالف المريء، فإنه مجرى العلف والماء، والمريء مجرى النفس)، قيل: هذا عكس، بل الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى العلف. وهكذا في «الإيضاح» (٣)، وذكر في «المغرب»: المريء مجرى الطعام والشراب (٤)، وذكر في «تاج الأسامي (٥)»: المريء مِرآة كذراب، ولما كان المريء هكذا كان الحلقوم متعينًا لغيره، وهو النفس (٦).

وقوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (٧) يؤيد ما ذكره في «الإيضاح» (٨).

يقال: وجأه توجئه، أي: عجله، والتوجيه: تفعيل من الوجى بالقصر والمد، وهو السرعة، ومنه موت وجي، وذكاة وجية، أي: سريعة، ووجى الذبيحة إذا ذبحها ذبحًا وجيًا (٩).

ولا يقال: أوجى.

بخلاف ما إذا قطع النصف، أي: نصف الأربعة، وهو الإتيان من هذه العروق حيث لا يحل أكله، وهو متعلق بقوله: فيكتفى به؛ لأن الأكثر باق، أي: أكثر المرخص، وهو الثلاث باق، [فإن] (١٠) الاثنين لما كانا باقيين كان أكثر المرخص باقيًا فلا يجوز أكله.

أو نقول: لما كان الرجحان لجانب التحريم كان للنص (١١) الباقي حكم الأكثر. كذا وجدت بخط شيخي (١٢).

(كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج)، قال أبو عبيدة [صوابه] (١٣) كل ما أفرى الأوداج غير مترد، والمعنى: كل شيء أفرى الأوداج من عود أو ليطة أو حجر، فهو ذكي غير مشرد، والشريد: أن يذبح بشيء لا حد له، فلا يتميز الدم. كذا وجدت بخط الإمام الزرنوخي، ولكن المسموع بالتخفيف بصيغة الأمر، والدليل على هذا حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-[به قال] (١٤): أرأيت يا رسول الله، إن صاد أحدنا صيدًا، وليس معه سكين، فذبحه بشق عصا أو بالمروة؛ أيحل ذلك؟ فقال: «أنهر الدم بما شئت» (١٥). كذا في «المبسوط» (١٦).


(١) ينظر: الأم: ٢/ ٢٥١، المبسوط: ١٢/ ٣.
(٢) في (ع): «النجس».
(٣) ينظر: العناية: ٩/ ٤٩٤، البناية: ١١/ ٥٥٦.
(٤) ينظر: المغرب: ص ٤٣٩.
(٥) هو: تهذيب الأسماء واللغات، للإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي (تـ ٦٧٦ هـ)، وهو كتاب مفيد مشهور، جمع فيه الألفاظ الموجودة في مختصر المزني، والمهذب، والوسيط، والتنبيه، والوجيز، والروضة. وقال: إن هذه الست تجمع ما يحتاج إليه من اللغات، ورتب على قسمين: الأول: في الأسماء، والثاني: في اللغات. ينظر: كشف الظنون: ١/ ٥١٤.
(٦) ينظر: تهذيب الأسماء واللغات: ٣/ ٦٩، والذَّرِب: الحادُّ من كل شيء، ينظر: الصحاح (ذرب) ١/ ١٢٧.
(٧) سورة الواقعة، الآية: ٨٣.
(٨) ينظر: البناية: ١١/ ٥٥٦.
(٩) ينظر: المغرب: ص ٤٧٩.
(١٠) زيادة من: (ع).
(١١) في (ع): «للنصف».
(١٢) ينظر: العناية: ٩/ ٤٩٥، البناية: ١١/ ٥٥٧.
(١٣) في (ع): «هو أنه».
(١٤) ساقطة من: (ع).
(١٥) أخرجه البخاري في صحيحه: ٧/ ٩٢، كتاب الذبائح والصيد، باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر، رقم الحديث: ٥٥٠٦، ونصه: عن رافع بن خديج، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل - يعني - ما أنهر الدم، إلا السن والظفر». وأخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٥٥٨، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن، والظفر وسائر العظام، رقم الحديث: ١٩٦٨.
(١٦) ينظر: المبسوط: ١٢/ ٢.