للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدلّ أنّه لا يباح النّظر إلى شيء من بدنها (١).

ولأنّ حرمة النّظر لخوف الفتنة، وعامَّةُ محاسنها في وجهها، [والفتنة] (٢) في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء، بنحو هذا تستدل عائشةُ -رضي الله عنها-، ولكنّها تقول هي لا تجد بُدَّاً من أن [تمشي] (٣) في الطّريق فلابدّ من أن تفتح {إحدى} (٤) عينيها لتبصر الطّريق، فيجوز لها أن تكشف إحدى عينها لهذه الضّرورة، والثّابت بالضّرورة لا يَعْدُو موضع الضّرورة (٥)، ولكنّا نأخذ بقول علي وابن عبّاس -رضي الله عنهم-؛ فقد جاءت الأخبار في الرخصة في النّظر إلى وجهها وكفها، من ذلك ما روي أن امرأةً عرضت نفسها على رسول الله -عليه السلام- فنظر إلى وجهها ولم يَرَ فيها رَغْبَةً (٦) (٧).


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٤٥).
(٢) في (ب): (فخوف الفتنةُ).
(٣) في (أ): (يمشي).
(٤) سقطت من (أ).
(٥) الثَّابِتُ بِالضَّرُوْرَةِ لَا يَعْدُوْ مَوْضِعَ الضَّرُوْرَة: قاعدة فقهية، معناها: أن الثابت بالضرورة يقدر بقدرها، فإذا اضطر الإنسان لأمرٍ ما منهيٌّ عنه شرعًا فيبيح له الشرع ذلك بالقدر الذي يدفعُ عنه الاضطرار، ولا يتعدَّاهُ إلى غيره، ومثالها زيادة على ما ذَكَرَهُ المؤلف/: أن الطبيب ينظر من العورة بقدر الحاجة للعلاج، ولا يباح له ما زاد على ذلك. يُنْظَر: موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (٢/ ٥٤٣)، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (١/ ٢٨١).
(٦) أخرجه البخاري (٧/ ١٤) كتاب (النكاح) باب (النظر إلى المرأة قبل التزويج) برقم (٥١٢٦) بِسَنَدِه: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ [ص: ١٥]: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّدَهَا - قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
- وأخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (٢/ ١٠٤٠) برقم (١٤٢٥).
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٥٢).