للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلتُ: نعم كذلك؛ إلا أنّ قيام الملك للغير في الحال ليس بدليلٍ موجبٍ بل باستصحاب الحال (١)، وإنما عُرِفَ ثبوته وبقاؤه باستصحاب الحال وخبر الواحد أقوى من استصحاب الحال (٢) (٣).

وأمّا الإخبار بأنه ذبيحة مجوسي ليس بخبر بالمفسد الطارئ بل هو خبر بفساد البيع من الأصل والإقدام على الشّراء منازعة منه بصحّة البيع فلا يقبل خبر المخبر فيه بدون شهادة شاهدين، وكذلك فيما تقدم صحّة النكاح يثبت في الابتداء بدليل موجب له وهو العقد الذي عاينه فلا يبطل ذلك بخبر الواحد (٤).

ومن القاطع الطّارئ أيضًا: ما لو قالت المرأة إنه طلقني بعد النكاح، أو ارتد عن الإسلام والعياذ بالله وسِعَهُ أن يعتمد خبرها ويتزوجها؛ لأنها أخبرت بحِلِّها له لسبب محتمل، وأمّا إذا أقرَّت بعد النكاح أنه كان مرتدًا حين تزوجني، أو إني كنت أخته من الرضاعة لا يعتمد خبرها؛ لأنّه خلاف المعلوم (٥).

وإذا أخبرت بالحرمة بسبب عارض بعد النكاح من رضاع أو غير ذلك [وثبتت] (٦) على ذلك؛ فإن كانت ثقة مأمونة أو غير ثقة إلا أن [أكبر] (٧) رأيه أنها صادقة فلا بأس بأن يتزوّجها لما ذكرنا من أنّ الملك الثابت للغير في الحال ليس بدليل موجب بل باستصحاب الحال إلى آخر ما ذكرنا، إلى هذا أشار في استحسان "المبسوط" (٨).


(١) - الاسْتِصْحَاب لُغَةً: اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّحْبَةِ، وَهُوَ اللُّزُوْمُ، يُقَالُ: اسْتَصْحَبْتُ فُلَانًا إِذَا لَزِمْتُهُ. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٦٢).
- الْاسْتِصْحَابُ اصْطِلَاحًا: الْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَمْرٍ مُحَقَّقٍ غَيْرِ مَظْنُونٍ عَدَمُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ. يُنْظَر: مجلة الأحكام العدلية (ص ٣٣٩) المادة (١٦٨٣)، التعريفات للجرجاني (ص ٢٢).
(٢) خبر الواحد أقوى من استصحاب الحال: قاعدة أصولية، قال ابن الهمام: خبر الواحد أقوى من استصحاب الحال لكون الاستصحاب حجة دافعة لا مثبِّتة أصلًا، بخلاف خبر الواحد. يُنْظَر: فتح القدير لابن الهمام (١٠/ ٥٨).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٨٠)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٢٠٥ - ٢٠٦)، فتح القدير لابن الهمام (١٠/ ٥٧ - ٥٨).
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٨٠)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٢٠٥ - ٢٠٦).
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٨٠)، فتاوى قاضيخان (٣/ ٣٢٥)، الفتاوى الهندية (٥/ ٣١٣).
(٦) في (ب): (ويثبت).
(٧) في (أ): (أكثر).
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٨٠)، الأصل للشيباني (٣/ ١٣٢)، فتاوى قاضيخان (٣/ ٣٢٥).