للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ جَمِيعًا فِي الأَزْمِنَةِ كُلِّهَا، إَلَّا صَلَاةَ الفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ (١) لِلْحَاجِّ (٢)، فَإِنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا أَفْضَلُ (٣)، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ تَأْخِيرًا يَقَعُ لَهُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادَ صَلَاتِهِ؛ كَذَا فِي "شرح الطحاوي" (٤) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (يُسْتَحَبُّ لَهُ (٥) التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ) (٦)، الُمَرادُ مِنَ التَّعْجِيلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الأَدَاءُ فِي النِّصْفِ الأوَّلِ كَذَا فِي "الأسرار" (٧).

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- (٨) بِحَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَاَنتِ النَسَاءُ تَنْصَرِفُ (٩) مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُنَّ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنِّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ شِدَّةِ الغَلَسِ» (١٠)؛ وَلِأَنَّ فِي هَذَا إِظْهَارَ المُسَارَعَةِ فِي أَدَاءِ العِبَادَةِ؛ وَهُوَ مَنْدُوبٌ (١١) إِلَيهِ بِقَوْلِهِ (١٢) تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (١٣).


(١) المُزْدَلِفَةُ: بالضم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء، اختلف فيها لم سميت بذلك فقيل مزدلفة منقولة من الازدلاف وهُوَ الاجتماع، وقيل: لازدلاف آدم وحواء بها أَيْ لاجتماعهما، وقيل: لنزول الناس بها فِي زلف الليل وهُوَ جمع أيضا، وهُوَ مبيت للحاجّ ومجمع الصلاة إِذَا صدروا من عرفات، وهُوَ مكَانَ بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلّى الإمام يصلي فِيهِ = العشاء والمغرب والصبح، وهي فرسخ من منى بها مصلى وسقاية ومنارة. انظر: "معجم البلدان لياقوت الحموي " (٥/ ١٢٠).
(٢) فِي (ب): (للحجاج).
(٣) نقل قاضي خان الإجماع على هذا. ينظر: "فتاوى قاضي خان" (ص ٩١) فالسُّنَّة أن يعجِّل الصلاة فِي أول وقتها فِي المزدلفة بأذان وإقامة، ويدلُّ عَلَى ذلك حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: «فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى المغرب، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» أخرجه البخاري كتاب «الوضوء»، باب إسباغ الوضوء (١/ ٤٤)، وفِي كتاب «الحج»، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة: (١/ ٤٠٣)، ومسلم، فِي كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٤)، حديث رقم: (١٢٨٠)، من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-.
(٤) ينظر: " شرح مختصر الطحاوي" (١/ ٥٢٥) ومَا بعدها.
(٥) (له)، زيادة من (ب).
(٦) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ٤٦).
(٧) "الأسرار" للدبوسي (٦٠٥).
(٨) ينظر: "الأم للشافعي" (١/ ٧٤).
(٩) فِي (ب): (ينصرفن).
(١٠) أخرجه البخاري في"صحيحه" (١/ ١٩١)، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، حديث (٥٦٤) وأخرجه مسلم في"صحيحه" (ص ٢٥٣)، كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهُوَ التغليس وبيان قدر القراءة فيها، حديث (٦٤٥).
(١١) المندوب: ما فعله خير من تركه وهو المسمى المندوب والمستحب والتطوع.
انظر: "كشف الأسرار للبخاري": (٢/ ٣٠٠ - ٣٠٣)، " المغني" للخبازي: (٨٣ - ٨٦).
(١٢) فِي (ب): (لقوله).
(١٣) سورة آل عمران: من آية (١٣٣).