للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ المَعْنَى (١) فِي اقْتِضَاءِ هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الكِتَابِ، هُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ، وَالتَّعْجِيلَ فِي أَوَّلِ الوَقْتِ، هُمَا سَوَاءٌ، فِي أَنَّهُمَا لَا يُؤَدِّيَانِ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الغَاِلبِ يَجْلِسُونَ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ، أَوْ أَكْثَرَ فِي الشِّتَاءِ، ثُمَّ فِي التَّأْخِيرِ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ قَطْعُ السَّمَرِ المَكْرُوهِ، وَفِي التَّعْجِيلِ ارْتِكَابُ السَّمَرِ بَعْدَه؛ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَكَانَ (٢) التَّأْخِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّعْجِيلِ مُبَاحٌ، وَالسَّمَرُ بَعْدَ العِشَاءِ مَكْرُوهٌ، فَصَارَ التَّأْخِيرُ أَوْلى مِنْ هَذَا الوَجْهِ (٣)؛ لِتَضَمُّنِهِ إِزَالَةَ الأَمْرِ المَكْرُوهِ، مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي نَفْسِهِ (٤) إِلَى هَذَا مُبَاحٌ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ السَّمَرَ؛ وَهُوَ الحَدِيثُ بِالليْلِ مَكْرُوهٌ بَعْدَ العِشَاءِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا سَمَرَ بَعْدَ العِشَاءِ» (٥) وَالمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالعِبَادَةِ، كَمَا جَعَلَ ابْتِدَاءَ الصَّحِيفَة بِالعِبَادَةِ؛ لِيَنْمَحِي مَا حَصَلَ مِنَ الزَّلَّاتِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، عَلَى مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (٦) كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ (٧) -رحمه الله-، وامَّا فِي الصَّيْفِ (٨) التَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ فِي قَطْعِ السَّمَرِ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنَامُونَ كَمَا يَغِيبُ (٩) الشّفَقُ، وَفِي التَّعْجِيلِ؛ تَكْثِيرُ الجَمَاعَةِ، فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، ثُمَّ التَّأْخِيرُ مِنْ الثُّلُثِ إِلَى النِّصْفِ مُبَاحٌ فِي (١٠) الشِّتَاءِ؛ لِمُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ مَعَ دَلِيلِ الكَرَاهَةِ.


(١) (المعنى) ساقط من (ب).
(٢) فِي (ب): (فإن).
(٣) فِي (ب): (الراحة).
(٤) فِي (ب): (إزالتها خير فِي نفسه)
(٥) أخرجه ابن ماجه فِي "سننه" (ص ٢٣٠) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "النهي عَنْ النوم قبل صلاة العشاء وعَنْ الحديث بعدها" حديث رقم (٧٠٢)، والبيهقي فِي "السنن الكبرى" (١/ ٤٥١) فِي كتاب "الصَّلاة" باب "كراهية النوم بعد العشاء". قَالَ ابن رجب فِي "فتح الباري" (٤/ ٣٧٩): موقوف عَلَى عائشة. وأبو عبد الله وأبو حمزة، مجهوَلِأَنَّ، وقَالَ علاء الدين مغلطاي فِي "شرح ابن ماجة" (ص ١٠٧٥): إسناده صحيح.
(٦) سورة هود: من آية (١١٤).
(٧) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٢٩) و "رد المحتار" لابن عابدين (١/ ٣٦٨)
(٨) (الصيف) ساقطة من (ب).
(٩) فِي (ب): (يثبت).
(١٠) فِي (ب): (أي).